يكون النفي نفيا للمعلول بلسان نفي علته ، فالفعل الصادر في الحالين كأنه لم يصدر في الخارج ، فيرتفع عنه الحكم لا محالة. وهذا بخلاف عنوان الضرر ، فانه معلول للفعل ومترتب عليه خارجا ، ولم يعهد في الاستعمالات المتعارفة أن يكون النفي في الكلام متعلقا بالمسبب وقد أريد به نفي سببه ليترتب عليه انتفاء حكمه ، ولو سلم صحة مثل هذا الاستعمال فلا ينبغي الريب في أنه خلاف الظهور جدا ، لا يصار إليه من دون قرينة.
فتلخص من جميع ما ذكرناه أن الحق في المقام هو ما ذهب إليه شيخنا الأنصاري قدسسره ، من أن دليل لا ضرر ناظر إلى مقام التشريع ، ودال على نفي الحكم الضرري ، سواء كان الحكم بنفسه ضرريا أم كان الضرر ناشئا من متعلقه.
الجهة الثالثة : في بيان انطباق نفي الضرر على ما ذكر في قضية سمرة : ربما يقال : ان ما ورد في قضية سمرة من نفي الضرر لا يمكن الاستدلال به في غير مورده ، وذلك لأن الضرر في تلك القضية لم يكن إلّا في دخول سمرة على الأنصاري بغير استئذان. واما بقاء عذقه في البستان فلم يكن يترتب عليه ضرر أصلا ، ومع ذلك أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بقلع العذق والرمي به إليه فالكبرى المذكورة فيها لا ينطبق على موردها ، فضلا عن الاستدلال بها في غيره.
وأجاب عنه شيخنا الأنصاري رحمهالله ، بأن الجهل بكيفية انطباق الكبرى على موردها لا يضر بصحة الاستدلال بها فيما علم انطباقها عليه (١).
وما ذكره وان كان وجيها في نفسه ، إلّا أنه يمكن أن يقال : ان ما يستفاد من الرواية أمران : أحدهما : عدم جواز دخول سمرة على الأنصاري بغير استئذانه. الثاني : حكمه صلىاللهعليهوآلهوسلم بقلع العذق والرمي به إليه ، والإشكال المزبور يبتني على أن
__________________
(١) رسائل فقهية للشيخ الأنصاري : ١١١.