الجهل اجتماع الضدين وإلّا لم يمكن الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري مطلقا ، وعليه فيمكن أن يحكم المولى بوجوب شرب مائع ظن بحرمته بظن غير معتبر ، لأن تعدد الرتبة مانع عن ثبوت التضاد بين الحكمين فالحكم الواقعي حينئذ يكون فعليا من بعض الجهات ، بخلاف الحكم الظاهري فانه فعلي من جميع الجهات.
واختار المحقق النائيني (١) استحالة ذلك بدعوى : أن الحكم الظاهري وان كان مختصا بصورة الشك في الواقع ولكن إطلاق الحكم الواقعي ثبوتا يشمل صورة تعلق الظن به أيضا ، ومع ذلك كيف يمكن جعل حكم ترخيصي أو إلزامي مضاد له في هذا الظرف ، وليس ذلك إلّا جمعا بين المتضادين.
والصحيح : هو ما أفاده ، وذلك لأن الموضوع لا يخلو من أن يكون مشتملا على المصلحة أو على المفسدة الملزمتين بلا مزاحم ، فلا بد وأن يكون واجبا أو حراما ، أو يكون فيه ملاك الحرمة وملاك الوجوب معا ، وحينئذ ان كان أحدهما أهم وكانت أهميته بمقدار ملزم فيتقدم الملاك الأهم ، وإلّا فلا بد من الحكم بالإباحة ، وليس المقام من قبيل اجتماع الأمر والنهي ، فانّ حيثية تعلق الظن ليست حيثية تقييدية ، وإنما هي حيثية تعليلية ، فيكون المقام من قبيل جعل حكمين متضادين للعامين من وجه. وأما قياس المقام بموارد مخالفة الحكم الواقعي والظاهري فغير صحيح ، لما سيأتي إن شاء الله في أول مبحث الظن من أن سنخ الحكم الظاهري سنخ حكم يجتمع مع الحكم الواقعي ولا يضاده ، ولا ربط له بالمقام ، فان الحكم الثابت في مظنون الخمرية أو الحرمة مثلا ليس حكما ظاهريا ، وإنما هو حكم واقعي ثابت لهذا العنوان المقيد ، فلا يقاس أحد المقامين بالآخر.
ثم لا يخفى ان ما ذكرناه من تقسيم الظن المأخوذ في الموضوع بنحو الصفتية أو
__________________
(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ٣٢ ـ ٣٣.