قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً)، المعنى : وقد كنتم ، ولو لا إضمار قد لم يجز مثله فى الكلام ؛ ألا ترى أنّ قوله تعالى فى سورة يوسف (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ)(١) معناه فقد صدقت. وأمّا الحال فى المضارع فشائعة دون قد ظاهرة أو مضمرة.
وقد تقرّب الماضى من الحال ، إذا قلت قد فعل ، ومنه قول المؤذّن : قد قامت الصّلاة. ويجوز الفصل بينها وبين الفعل بالقسم ، كقولك : قد والله أحسنت ، وقد لعمرى بتّ ساهرا. ويجوز طرح الفعل بعدها إذا فهم كقول النابغة الذبيانىّ :
أفد الترحّل غير أنّ ركابنا |
|
لمّا تزل برحالنا وكأن قد (٢) |
أى كأن قد زالت.
وإذا دخلت قد على فعل ماض فإنما تدخل على كلّ فعل متجدّد ، نحو قوله : (قَدْ سَمِعَ اللهُ)(٣) ، ولذلك لا يصحّ أن تستعمل فى أوصاف الله تعالى الذاتيّة ، نحو قد كان الله عليما حكيما. وقوله : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى)(٤) متناول (٥) للمرض فى المعنى ؛ كما أن النفى فى قولك : ما علم الله زيدا يخرج ، هو للخروج ، وتقدير ذلك : قد يمرضون فيما علم الله ، وما يخرج زيد فيما علم الله. وإذا دخل قد على الفعل المستقبل من الفعل فذلك الفعل يكون فى حالة دون حالة ، نحو : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ)(٦) أى قد يتسلّلون فيما علم الله. والله أعلم.
__________________
(١) الآية ٢٦ سورة يوسف
(٢) هو من قصيدته التى مطلعها :
أمن آل مية رائح أو مغتد |
|
عجلان ذا زاد وغير مزود |
(٣) الآية ١٨١ سورة آل عمران ، صدر صورة المجادلة
(٤) الآية ٢٠ سورة المزمل
(٥) يريد أن علم الله ذاتى غير متجدد. وما فى الآية من تعلق العلم بالمستقبل هو تجدد للمرض لا للعلم أى التجدد للمعلوم أو لتعلق العلم به ، كما أن النفى فى قولك : ما علم الله زيدا يخرج متعلق بالمعلوم لا بالعلم
(٦) الآية ٦٣ سورة النور