وقيل : العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام ، كقوله تعالى : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً)(١). والعدل ـ بالكسر ـ والعديل فيما يدرك بالحاسّة كالموزونات والمعدودات والمكيلات. والعدل : هو التقسيط على سواء ، وعلى هذا روى : بالعدل قامت السّماوات والأرض ، تنبيها أنّه لو كان ركن من الأركان الأربعة فى العالم زائدا على الآخر أو ناقصا عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظما.
والعدل ضربان : مطلق يقتضى العقل حسنه ، ولا يكون فى شىء من الأزمنة منسوخا ، ولا يوصف بالاعتداء بوجه ، نحو الإحسان إلى من أحسن إليك ، وكفّ الأذى عمّن كفّ أذاه عنك. وعدل يعرف كونه عدلا بالشرع ، ويمكن أن يكون منسوخا فى بعض الأزمنة كالقصاص وأرش (٢) الجنايات وأخذ مال المرتدّ ، ولذلك قال تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ)(٣) ، قال : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٤) فسمّى ذلك سيّئة واعتداء. وهذا النحو هو المعنىّ بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(٥) ، فإنّ العدل هو المساواة فى المكافأة إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ ، والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه والشر بأقلّ منه.
وقوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)(٦) أى ذوى عدالة. وقوله : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ)(٧) [فإشارة](٨) إلى ما عليه جبلّة الإنسان من الميل ؛ فإن الإنسان لا يقدر على أن يسوّى بينهنّ
__________________
(١) الآية ٩٥ سورة المائدة
(٢) أى ديتها
(٣) الآية ١٩٤ سورة البقرة
(٤) الآية ٤٠ سورة الشورى
(٥) الآية ٩٠ سورة النحل
(٦) الآية ٢ سورة الطلاق
(٧) الآية ١٢٩ سورة النساء
(٨) زيادة من الراغب