والمقصود من العبد الاستقامة وهى السّداد. فإن لم يقدر عليها فالمقاربة. وعند مسلم مرفوعا : «سدّوا / وقاربوا ، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله. قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمّدنى الله برحمة منه وفضل». فجمع فى هذا الحديث مقامات الدّين كلها. فأمر بالاستقامة وهى السّداد ، والإصابة فى النيّات والأقوال. وأخبر فى حديث ثوبان أنهم لا يطيقونها فنقلهم إلى المقاربة ، وهى أن يقربوا من الاستقامة بحسب طاقتهم ، كالّذى يرمى إلى الغرض وإن لم يصبه يقاربه. ومع هذا فأخبرهم أن الاستقامة والمقاربة لا تنجى يوم القيامة ، فلا يركن أحد إلى عمله ، ولا يرى أن نجاته به ، بل إنّما نجاته برحمة الله وغفرانه وفضله. فالاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين ، وهو القيام بين يدى الله تعالى على حقيقة الصّدق ، والوفاء بالعهد.
والاستقامة تتعلّق بالأقوال والأفعال والأحوال والنّيات. فالاستقامة فيها ، وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله. قال بعض العارفين : كن صاحب الاستقامة ، لا طالب الكرامة ، فإن نفسك متحرّكة فى طلب الكرامة ، وربّك يطالبك بالاستقامة. فالاستقامة للحال بمنزلة الرّوح من البدن ، فكما أنّ البدن إذا خلا عن الرّوح فهو ميّت ، فكذلك الحال إذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد. وكما أن حياة الأحوال بها ، فزيادة أعمال الزّاهدين أيضا ونورها وزكاؤها بها ، فلا زكاء للعمل ولا صحّة بدونها. والله أعلم.