إنّ كلّا أقرّ بخلقه إياهم وإن أشركوا معه ، كقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(١). وقال ابن عباس : أسلموا بأحوالهم المنبئة عنهم ، وإن كفر بعضهم بمقالتهم ، ذلك هو الإسلام فى الذّرء الأوّل (٢) حيث قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(٣) ، وذلك هو دلائلهم الّتى فطروا عليها من العقل المقتضى لأن يسلموا ، وإلى هذا أشار بقوله : (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ)(٤).
وقال بعض المحقّقين : من أسلم طوعا هو الذى طالع المثيب والمعاقب ، لا الثواب والعقاب فأسلم له ، ومن أسلم كرها هو الذى طالع الثواب والعقاب ، فإنه أسلم رهبة ورغبة. ونحو هذه الآية : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) وقوله : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً)(٥) أى كلفة ومشقّة ، وقوله : (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ)(٦) أى لم يرد. والله أعلم.
__________________
(١) الآية ٨٧ سورة الزخرف
(٢) الذرء : الخلق. والذرء الأول يراد به الاشارة إلى ما ورد أن الله سبحانه لما خلق آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة وجعل لهم عقولا كنملة سليمان ، وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم وأنه لا إله غيره. وقد فسرت به الآية الآتية. وفى الراغب : «الذر» وهو جمع ذرة أى النملة لأنهم كانوا كالذر ، وانظر تفسير القرطبى ٧ / ٣١٤
(٣) الآية ١٧٢ سورة الأعراف
(٤) الآية ١٥ سورة الرعد
(٥) الآية ١٥ سورة الأحقاف
(٦) الآية ٤٦ سورة التوبة