وحقيقة الملك هو التصرّف بالأمر والنهى فى الجمهور ، وذلك يختصّ بسياسة الناطقين ، ولهذا يقال : ملك النّاس ، ولا يقال : ملك الأشياء. وقوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(١) فتقديره : الملك فى يوم الدّين. وذلك كقوله (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)(٢).
والملك ضربان : ملك هو التملّك والتولّى ، وملك هو القوّة على ذلك تولىّ أو لم يتولّ. فمن الأوّل قوله تعالى : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها)(٣) ، ومن الثانى قوله تعالى : (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً)(٤) فجعل النبوّة مخصوصة ، والملك فيهم عامّا ؛ فإنّ معنى الملك هاهنا هو القوّة الّتى بها يترشّح للسياسة ، لا أنهم جعلهم متولّين للأمر ، فذلك مناف للحكمة ؛ كما قيل : لا خير فى كثرة الرّؤساء.
وقال بعضهم : الملك اسم لكلّ من يملك السياسة ، إمّا فى نفسه ـ وذلك بالتمكّن من زمام قواه وصرفها عن هواها ـ وإمّا فى نفسه وفى غيره ، سواء تولّى ذلك أو لم يتولّ ، على ما تقدّم.
واعلم أن تقاليب هذه المادّة كلّها مستعملة .. وهى م ك ل ، وم ل ك ، وك م ل ، وك ل م ، ول ك م ، ول م ك. وقال الإمام فخر الدّين : تقاليبها الستّة تفيد القوّة والشدّة ، خمسة منها معتبرة ، وواحد ضائع. فعدّ كلم وكمل ولكم ومكل وملك ، وعدّ لمك ضائعا ، وهذا منه غريب ؛ لأنّ المادّة الضائعة عنده معتبرة معروفة عند أهل اللغة ، قال صاحب العباب : اللّمك واللّماك : الجلاء يكحل به العين. واللّميك : المكحول
__________________
(١) الآية ٤ سورة الفاتحة
(٢) الآية ١٦ سورة غافر.
(٣) الآية ٣٤ سورة النمل.
(٤) الآية ٢٠ سورة المائدة.