أى : (وَما تُنْفِقُوا) ـ أيها المؤمنون ـ (مِنْ شَيْءٍ) قل أو كثر هذا المنفق (فِي سَبِيلِ اللهِ) أى في وجوه الخيرات التي من أجلّها الجهاد لإعلاء كلمة الدين (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) أى : يصل إليكم عوضه في الدنيا وأجره في الآخرة (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) أى : لا تنقصون شيئا من العوض أو الأجر.
قالوا : والتعبير بالظلم ـ مع أن الأعمال غير موجبة للثواب حتى يكون ترك ترتيبه عليها ظلما ـ لبيان كمال نزاهته ـ سبحانه ـ عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه ـ تعالى ـ من القبائح ، وإبراز الإثابة في معرض الأمور الواجبة عليه ـ تعالى ـ» (١).
هذا ، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى :
١ ـ وجوب إعداد القوة الحربية للدفاع عن الدين وعن الوطن وعن كل ما يجب الدفاع عنه ، لأن أعداء الإسلام إذا ما علموا أن أتباعه أقوياء هابوهم ، وخافوا بأسهم ، ولم يجرؤوا على مهاجمتهم.
قال القرطبي : وقوله ـ تعالى ـ (وَأَعِدُّوا لَهُمْ). أمر الله المؤمنين بإعداد القوة للأعداء ، بعد أن أكد تقدمة التقوى. فإن الله ـ تعالى ـ لو شاء لهزمهم بالكلام والتفل في وجوههم ، وبحفنة من تراب ، كما فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولكن أراد أن يبتلى بعض الناس ببعض بعلمه السابق وقضائه النافذ ...» (٢).
وقال بعض العلماء : دلت هذه الآية على وجوب إعداد القوة الحربية ، اتقاء بأس العدو وهجومه ، ولما عمل الأمراء بمقتضى هذه الآية أيام حضارة الإسلام ، كان الإسلام عزيزا ، عظيما ، أبى الضيم ، قوى القنا ، جليل الجاه ، وفير السنا ، إذ نشر لواء سلطته على منبسط الأرض ، فقبض على ناصية الأقطار والأمصار.
أما اليوم فقد ترك المسلمون العمل بهذه الآية الكريمة ، ومالوا إلى النعيم والترف ، فأهملوا فرضا من فروض الكفاية ، فأصبحت جميع الأمة آثمة بترك هذا الفرض ، ولذا تعانى اليوم من غصته ما تعانى.
وكيف لا يطمع العدو في بلاد الإسلام ، وهو لا يرى فيها معامل للأسلحة ، وذخائر الحرب ، بل كلها مما يشترى من بلاد العدو؟
أما آن لها أن تتنبه من غفلتها ، فتعد العدة التي أمر الله بها لأعدائها ، وتتلافى ما فرطت قبل أن يداهم العدو ما بقي منها بخيله ورجله ..؟
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٥٤.
(٢) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٣٥.