٣ ـ حددت السورة الكريمة معالم المجتمع الإسلامى بعد أن تم فتح مكة ، وبعد أن دخل الناس في دين الله أفواجا.
فأثنت على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ووعدتهم بالفوز العظيم.
قال تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
وحكمت على كل فريق من المتخلفين عن غزوة تبوك من أهل المدينة وما حولها بالحكم الذي يناسبه.
قال تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ).
وقال تعالى : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ).
وقال تعالى : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ).
وهكذا نرى السورة الكريمة قد وضحت الطوائف المتنوعة التي كان المجتمع الإسلامى يتكون منها عند نزولها ، أى : بعد أن تم فتح مكة.
٤ ـ يؤخذ من الحديث المستفيض الذي ساقته السورة عن المنافقين وصفاتهم وأحوالهم .. أنهم بعد فتح مكة بدأت دولتهم تعود إلى الظهور في المجتمع الإسلامى بينما كانت قبيل الفتح قد أوشكت على التلاشى والاندثار.
ولعل السبب في ذلك : أن كثيرا من الناس قد دخل في الإسلام بعد أن فتحت مكة ، لأسباب دنيوية متنوعة ، دون أن يستقر الإيمان بالله في قلوبهم ، وإنما بقيت آثار الجاهلية لها وزنها في تحريك طباعهم واتجاهاتهم وأفكارهم.
قال بعض العلماء : سياق السورة يرسم صورة كاملة للمجتمع المسلم في فترة ما بعد الفتح ، ويصف تكوينه العضوى ، ومن هذه الصورة يتجلى نوع من الخلخلة وقلة التناسق بين مستوياته الإيمانية ، كما تتكشف ظواهر وأعراض من الشح بالنفس والمال ، ومن النفاق والضعف ، والتردد في الواجبات والتكاليف ، والخلط وعدم الوضوح في تصور العلاقات بين