ولفظ (بَراءَةٌ) مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، والتنوين فيه للتفخيم و (مِنَ) لابتداء الغاية ، والعهد : العقد الموثق باليمين ، والخطاب في قوله (عاهَدْتُمْ) للمسلمين.
والمعنى : هذه براءة واصلة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين بسبب نقضهم لعهودهم ، وإصرارهم على باطلهم ...
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم علقت البراءة بالله ورسوله والمعاهدة بالمسلمين؟.
قلت : قد أذن الله في معاهدة المشركين أولا ، فاتفق المسلمون مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعاهدوهم ، فلما نقضوا العهد أوجب الله ـ تعالى ـ النبذ إليهم ، فخوطب المسلمون بما تجدد من ذلك فقيل لهم : اعلموا أن الله ورسوله قد برئا مما عاهدتم به المشركين.
وروى أنهم عاهدوا المشركين من أهل مكة وغيرهم من العرب ، فنكثوا إلا ناسا منهم ، فنبذ العهد إلى الناكثين ، وأمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين ..» (١).
وقال بعض العلماء : والمعنى أن الله قطع ما بينه وبين المشركين من صلات فلا عهد ولا تعاهد ولا سلم ولا أمان ، وتركهم تعمل فيهم سيوف المؤمنين حتى يقوموهم أو يبيدوهم. ولا يدخل في هذا التبري قطع رحمته العامة عنهم التي كتبها على نفسه من جهة أنه الخالق وأنهم المخلوقون ... فهو مع هذا التبري لا يزال من هذه الجهة يرحمهم بمنح الحياة وموارد الرزق ، والتمكين من العمل حسب تقديره العام وسنته الشاملة في خلقه ولو أن التبري كان على إطلاقه لما عاش كافر طرفة عين ، ولما استطاع كافر أن يقف في وجه مسلم.
فالآية تقرر حكما تكليفيا للمسلمين في شأن معاملة المشركين ..
واعتبار أن الآية تقرر حكما شرعيا والمشرع هو الله أضيف صدور البراءة إليه ـ سبحانه ـ وعطف عليه الرسول صلىاللهعليهوسلم في هذا المقام ، لأنه هو المبلغ عنه ، والمنفذ لما يبلغه ..
ولما كان التعاهد بين المؤمنين وغيرهم تنفيذا لأمر الله به ، وأصله حق لجماعتهم ، وإنما يقوم الإمام به نائبا عن الجماعة ، أضيف ـ أى التعاهد ـ إلى جماعة المسلمين ، فقيل : (عاهَدْتُمْ) .. وكثيرا ما ينسب القرآن الأحكام العامة لجماعة المؤمنين ...
ويؤخذ من تقرير البراءة من المشركين في هذه الآية جواز نبذ العهود لمن كان بيننا وبينه
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٤٢ طبعة دار الكتاب العربي ببيروت.