وحل خيوطه ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) (١).
وقوله : (وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) معطوف على ما قبله. أى : وعابوه وانتقصوه.
وقوله : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) أى : فقاتلوهم فهم أئمة الكفر ، وحملة لوائه. فوضع ـ سبحانه ـ الاسم الظاهر المبين لشر صفاتهم موضع الضمير على سبيل الذم لهم.
وقيل : المراد بأئمة الكفر رؤساؤهم وصناديدهم الذين كانوا يحرضونهم على عداوة المؤمنين ، ويقودونهم لقتال النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه.
وعطف. سبحانه ـ قوله (وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) على ما قبله مع أن نقض العهد كاف في إباحة قتالهم ، لزيادة تحريض المؤمنين على مجاهدتهم والاغلاظ عليهم.
وقوله : (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) تعليل للأمر بقتالهم أى قاتلوا هؤلاء المشركين بعزيمة صادقة ، وقلوب ثابتة. لأنهم قوم لا أيمان ولا عهود لهم على الحقيقة ، لأنهم لما لم يفوا بها صارت أيمانهم كأنها ليست بأيمان.
وقرأ ابن عامر (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) ـ بكسر الهمزة. على أنها مصدر آمنه إيمانا بمعنى إعطاء الأمان. أى إنهم لا أمان لهم فاحذروا الاغترار بهم. أو المراد الإيمان الشرعي. أى إنهم لا تصديق ولا دين لهم ، ومن كان كذلك فلا وفاء له.
وقوله : (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) متعلق بقوله (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ).
أى : ليكن مقصدكم من مقاتلتهم ـ بعد أن وجد منهم ما وجد من إيذائكم الرجاء في هدايتهم ، والانتهاء عن كفرهم وخيانتهم .. واحذروا أن يكون مقصدكم من ذلك العدوان واتباع الهوى.
هذا ، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات سوى ما سبق ـ ما يأتى :
١ ـ أن ما ذكرته الآيات من كون المشركين ، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، يقرر حقيقة واقعة ، ومن الأدلة على ذلك ما فعله التتار بالمسلمين ـ وخاصة مسلمي بغداد. سنة ٦٥٦. وما فعله الوثنيون الهنود مع مسلمي باكستان ، وما فعله الشيوعيون. في روسيا والصين وغيرها ـ مع المسلمين الذين كانوا يعيشون معهم (٢).
٢ ـ أن هؤلاء المشركين متى تابوا عن كفرهم ، وأقلعوا عن شركهم ، واندمجوا في جماعة المؤمنين .. صاروا إخوة لنا في الدين.
__________________
(١) سورة النحل الآية ٩٢.
(٢) لمعرفة ذلك بالتفصيل راجع تفسير «في ظلال القرآن» ج ١٠ من ص ١٤١ إلى ص ١٤٥.