وهذه الأخوة الدينية ـ كما يقول صاحب المنار ـ مما يحسدنا جميع أهل الملل عليها فهي لا تزال أقوى فينا منها فيهم برا وتعاونا. وعاصمة لنا من فوضى الشيوعية ، وأثرة المادية وغيرها ، على ما منيت به شعوبنا من الضعف واختلال النظام ، واختلاف الجنسيات والأحكام .. (١).
٣ ـ قال القرطبي : استدل بعض العلماء بهذه الآية (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) ـ على وجوب قتل كل من طعن في الدين ، إذ هو كافر. والطعن أن ينسب إليه ما لا يليق به ، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصوله واستقامة فروعه.
وقال ابن المنذر : أجمع عامة أهل العلم على أن من سب النبي صلىاللهعليهوسلم عليه القتل. وممن قال بذلك مالك والليث وأحمد وإسحاق والشافعى (٢).
٤ ـ أخذ بعضهم من قوله ـ تعالى ـ (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) أن الكافر لا يمين له على الحقيقة.
قال الفخر الرازي : وبه تمسك أبو حنيفة. رحمهالله. في أن يمين الكافر لا يكون يمينا. وعند الشافعى. رحمهالله ـ يمينهم يمين. ومعنى الآية عنده : أنهم لما لم يفوا بها صارت أيمانهم كأنها ليست بأيمان. والدليل على أن أيمانهم أيمان أنه ـ سبحانه ـ وصفها بالنكث في قوله (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ ..) ولو لم يكن منعقدا لما صح وصفها بالنكث (٣).
٥ ـ دل قوله تعالى (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) على أن قتال المؤمنين للمشركين لا يراد به سلب أموالهم ولا هتك أعراضهم .. وإنما المراد به الرجاء في هدايتهم ، والأمل في انتهائهم عن الكفر وسوء الأخلاق.
قال صاحب الكشاف : قوله (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) متعلق بقوله (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ).
أى : ليكن غرضكم في مقاتلتهم ـ بعد ما وجد منهم ما وجد من العظائم ـ أن تكون المقاتلة سببا في انتهائهم عما هم عليه. وهذا من غاية كرمه وفضله وعوده على المسيء بالرحمة كلما عاد (٤).
وبعد أن بينت السورة الكريمة الأسباب الموجبة لقتال المشركين : شرعت في تحريض المؤمنين على مهاجمتهم ومقاتلتهم بأسلوب يثير الحمية في النفوس ، ويحمل على الإقدام وعدم المبالاة بهم .. فقال تعالى :
__________________
(١) تفسير المنار ج ١٠ ص ٢٢٨.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٨٢.
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ١٥ ص ٢٣٤.
(٤) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٥١.