قل لهم يا محمد : إن كان كل ذلك ـ من الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة ، والأموال ، والتجارة ، والمساكن ـ (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ).
أى : إن كانت هذه الأشياء أحسن في نفوسكم وأقرب إلى قلوبكم من طاعة الله وطاعة رسوله ومن الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحق ، فانتظروا حتى يحكم الله فيكم ، وهو العذاب العاجل أو العقاب الآجل.
فالجملة الكريمة تهديد وتخويف لمن آثر محبة الآباء والأبناء ... على محبة الله ورسوله ، وعلى الجهاد من أجل إعلاء كلمة الدين.
وقوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) تذييل قصد به تأكيد التهديد السابق أى : والله ـ تعالى ـ قد اقتضت حكمته أن لا يوفق القوم الخارجين عن حدود دينه وشريعته إلى ما فيه مثوبته ورضاه.
هذا ، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى :
(١) تحريم موالاة الكافرين مهما بلغت درجة قرابتهم ، واعتبار هذه الموالاة من الكبائر ، لوصف فاعلها بالظلم : قال ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
(٢) قوة إيمان الصحابة ، وسرعة امتثالهم لأوامر الله ، فإنهم في سبيل عقيدتهم قاطعوا أقرب الناس إليهم ممن خالفوهم في الدين ، بل وحاربوهم وقتلوهم.
قال ابن كثير : روى الحافظ البيهقي من حديث عبد الله بن شوذب قال : جعل أبو أبى عبيدة بن الجراح ينعت له الآلهة يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه. فلما أكثر الجراح ، قصده ابنه أبو عبيدة فقتله ، فأنزل الله فيه هذه الآية ـ التي بآخر سورة المجادلة ـ (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ، وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ ، أَوْ أَبْناءَهُمْ ، أَوْ إِخْوانَهُمْ ، أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ، أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ، وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ، أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ ، أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١).
(٣) إن المؤمن لا يتم إيمانه إلا إذا كانت محبته لله ورسوله مقدمة على كل محبوب ، وقد وردت عدة أحاديث في هذه المعنى ، ومن ذلك ما أخرجه البخاري والإمام أحمد عن أبى عقيل
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٤٢.