يريد الشام لقتال الروم ، فبلغ تبوك ، ونزل بها ، وأقام بها قريبا من عشرين يوما ، ثم استخار الله في الرجوع ، فرجع عامه ذلك لضيق الحال ، وضعف الناس ....» (١).
وقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ ....) أمر منه ـ سبحانه ـ للمؤمنين بقتال أهل الكتاب ، وبيان للأسباب التي اقتضت هذا الأمر ، وهي أنهم :
أولا : (لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) لأنهم لو كانوا مؤمنين به إيمانا صحيحا ، لاتبعوا رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم ، ولأن منهم من قال : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) ومنهم من قال : (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ).
وقولهم هذا كفر صريح ، لأنه ـ سبحانه ـ منزه عما يقولون.
قال ـ تعالى ـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).
وثانيا : أنهم «لا يؤمنون باليوم الآخر» على الوجه الذي أمر الله ـ تعالى ـ به ، ومن كان كذلك كان إيمانه. على فرض وجوده. كلا إيمان.
قال الجمل ما ملخصه : فإن قلت : اليهود والنصارى يزعمون أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر فكيف نفى الله عنهم ذلك؟
قلت : إن إيمانهم بهما باطل لا يفيد ، بدليل أنهم لم يؤمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم فلما لم يؤمنوا به كان إيمانهم بالله واليوم الآخر كالعدم فصح نفيه في الآية ولأن إيمانهم بالله ليس كإيمان المؤمنين ، وذلك أن اليهود يعتقدون التجسيم والتشبيه ، والنصارى يعتقدون الحلول ، ومن اعتقد ذلك فليس بمؤمن بالله بل هو مشرك.
وأيضا فإن إيمانهم باليوم الآخر ليس كإيمان المؤمنين ، وذلك لأنهم يعتقدون بعث الأرواح دون الأجساد ، وأن أهل الجنة لا يأكلون فيها ولا يشربون ولا ينكحون ـ أى أنهم يرون نعيم الجنة وعذاب النار يتعلقان بالروح فقط ولا شأن للجسد بذلك. ومن اعتقد ذلك فليس إيمانه كإيمان المؤمنين وإن زعم أنه مؤمن (٢).
وثالثا : أنهم (لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) أى : أنهم لا يحرمون ما حرمه الله ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم في القرآن والسنة ، وفضلا عن ذلك فهم لا يلتزمون ما حرمته
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٤٧.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٣٧٥.