كثير من الفقهاء ـ لأن أهل الكتاب هم الذين يخيرون بين الإسلام أو القتال أو الجزية ، أما غيرهم من مشركي العرب فلا يخيرون إلا بين الإسلام أو القتال.
قال القرطبي ما ملخصه : وقد اختلف العلماء فيمن تؤخذ منه الجزية فقال الشافعى : لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب خاصة ، عربا كانوا أو عجما لهذه الآية : فإنهم هم الذين خصوا بالذكر فتوجه الحكم إليهم دون من سواهم ، لقوله ـ تعالى ـ في شأن المشركين : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ولم يقل : حتى يعطوا الجزية كما قال في أهل الكتاب.
وقال الشافعى : وتقبل من المجوس لحديث «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» أى : في أخذ الجزية منهم.
وبه قال أحمد وأبو ثور. وهو مذهب الثوري وأبى حنيفة وأصحابه وقال الأوزاعى : تؤخذ الجزية من كل عابد وثن أو نار أو جاحد أو مكذب.
وكذلك مذهب مالك : فإنه يرى أن الجزية تؤخذ من جميع أجناس الشرك والجحد ، عربيا أو عجميا تغلبيا أو قرشيا ؛ كائنا من كان إلا المرتد ..» (١).
٢ ـ أن أخذ الجزية منهم إنما هو نظير ما ينالهم ، وكفنا عن قتالهم ، ومساهمة منهم في رفع شأن الدولة الإسلامية التي أمنتهم وأموالهم وأعراضهم ومعتقداتهم ، ومقدساتهم .. وإقرار منهم بالخضوع لتعاليم هذه الدولة وأنهم متى التزموا بدفعها وجب علينا حمايتهم ، ورعايتهم ، ومعاملتهم بالعدل والرفق والرحمة ..
وفي تاريخ الإسلام كثير من الأمثلة التي تؤيد هذا المعنى ، ومن ذلك ، ما جاء في كتاب الخراج لأبى يوسف أنه قال في خطابه لهارون الرشيد «وينبغي يا أمير المؤمنين ـ أيدك الله ـ أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد صلىاللهعليهوسلم والتفقد لهم حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم ، ولا يؤخذ شيء من أموالهم إلا بحق يجب عليهم ؛ فقد روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من ظلم من أمتى معاهدا أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه».
وكان فيما تكلم عمر بن الخطاب عند وفاته : أوصى الخليفة من بعدي بذمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يوفى بعهدهم ، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوهم فوق طاقتهم» (٢).
وجاء في كتاب «أشهر مشاهير الإسلام» أن جيوش التتار ، لما اكتسحت بلاد الإسلام من حدود الصين إلى الشام ، ووقع في أسرهم من وقع من المسلمين والنصارى ثم خضد المسلمون
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ طبعة دار الكتب المصرية سنة ١٣٨ ه ١٩٦١ م.
(٢) كتاب الخراج لأبى يوسف ص ١٤.