ويحتمل أن تكون كناية و «عن» الدفع نقدا بدون تأجيل. أى : حتى يعطوها نقدا بدون تسويف أو تأخير.
ويحتمل أن تكون على معناها الحقيقي ، و «عن» بمعنى الباء أى : حتى يعطوها بيدهم إلى المسلمين لا أن يبعثوا بها بيد أحد سواهم.
وهذه المعاني لليد إنما تتأتى إذا أريد بها يد المعطى. أى : يد الكتابي.
أما إذا أردنا بها اليد الآخذة ـ وهي يد الحاكم المسلم ـ ففي هذه الحالة يكون معناها القوة والقهر والغلبة.
أى : حتى يعطوها عن يد غالبة قوية لا قبل لهم بالوقوف أمامها.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال : قوله : «عن يد» إما أن يراد يد المعطى أو الآخذ فمعناه على إرادة يد المعطى حتى يعطوها عن يده ، أى عن يد مؤاتية غير ممتنعة ؛ إذ أن من أبى وامتنع لم يعط يده ، بخلاف المطيع المنقاد ، ولذلك قالوا : أعطى بيده ، إذا انقاد وأصحب ـ أى : سهل بعد صعوبة ـ ألا ترى إلى قولهم : نزع يده عن الطاعة ، كما يقال : خلع ربقة الطاعة عن عنقه.
أو المعنى : حتى يعطوها عن يد إلى نقدا غير نسيئة ، لا مبعوثا بها على يد أحد ، ولكن يد المعطى إلى يد الآخذ.
ومعناه على إرادة يد الآخذ : حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية ـ وهي يد المسلمين ـ أو حتى يعطوها عن إنعام عليهم ، لأن قبول الجزية منهم ، وترك أرواحهم لهم ، نعمة عظيمة عليهم» (١).
وقوله : (وَهُمْ صاغِرُونَ) من الصغار بمعنى الذل والهوان. يقال : صغر فلان يصغر صغرا وصغارا إذا ذل وهان وخضع لغيره.
والمعنى : قاتلوا من هذه صفاتهم من أهل الكتاب حتى يدفعوا لكم الجزية عن طواعية وانقياد. وهم أذلاء خاضعون لولايتكم عليهم ... فإن الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرمه الله ورسوله. ولا يتخذون الدين الحق دينا لهم. يستحقون هذا الهوان في الدنيا ، أما في الآخرة فعذابهم أشد وأبقى.
هذا. ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى :
١ ـ إن هذه الآية أصل في مشروعية الجزية ، وأنها لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب عند
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٢٤.