وعبر عنهم في قوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ..) بالاسم الموصول للإيذان بعلية ما في حيز الصلة للأمر بالقتال.
أى أن العلة في الأمر بقتالهم ، كونهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق.
وقوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) بيان للمتصفين بهذه الصفات الأربعة وهم اليهود والنصارى ؛ لأن الحديث عنهم ، وعن الأسباب التي توجب قتالهم.
والمراد بالكتاب : جنسه الشامل للتوراة والإنجيل.
أى : قاتلوا من هذه صفاتهم ، وهم اليهود والنصارى الذين أعطاهم الله التوراة والإنجيل ـ عن طريق موسى وعيسى ـ عليهماالسلام ـ ولكنهم لم يعملوا بتعاليمهما وإنما عملوا بما تمليه عليهم أهواؤهم وشهواتهم.
والمقصود بقوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) تميزهم عن المشركين عبدة الأوثان في الحكم ، لأن حكم هؤلاء قتالهم حتى يسلموا ، أما حكم أهل الكتاب فهو القتال ، أو الإسلام ، أو الجزية :
وقوله : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) غاية لإنهاء القتال.
أى : قاتلوا من هذه صفاتهم من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن طوع وانقياد ، فإن فعلوا ذلك فاتركوا قتالهم.
والجزية : ضرب من الخراج يدفعه أهل الكتاب للمسلمين وهي ـ كما يقول القرطبي :
ـ من جزى يجزى ـ مجازاة ـ إذا كافأ من أسدى إليه. فكأنهم أعطوها للمسلمين جزاء ما منحوا من الأمن ، وهي كالقعدة والجلسة ، ومن هذا المعنى قول الشاعر :
يجزيك أو يثنى عليك وإن من |
|
أثنى عليك بما فعلت فقد جزى (١) |
والمراد بإعطائها في قوله : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) ، التزام دفعها وإن لم يذكر الوقت المحدد لذلك.
واليد هنا : يحتمل أن تكون كناية عن الاستسلام والانقياد. أى : حتى يعطوا الجزية عن خضوع وانقياد.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ١١٤