ورده. وأنه جدير بأن يكون هو ناشر الشريعة ..» (١).
وقد ذكر المفسرون هنا أقوالا متعددة في الأسباب التي حملت اليهود على أن يقولوا «عزير ابن الله» وأغلب هذه الأقوال لا يؤيدها عقل أو نقل ، ولذا فقد ضربنا عنها صفحا (٢).
وقد نسب ـ سبحانه ـ القول إلى جميع اليهود مع أن القائل بعضهم ، لأن الذين لم يقولوا ذلك لم ينكروا على غيرهم قولهم ، فكانوا مشاركين لهم في الإثم والضلال ، وفيما يترتب على ذلك من عقاب.
وأما قول النصارى «المسيح ابن الله» فهو شائع مشهور ، ومن أسبابه أن الله ـ تعالى ـ قد خلق عيسى بدون أب على خلاف ما جرت به سنته في التوالد والتناسل ، فقالوا عنه «ابن الله».
وقد حاجهم ـ سبحانه ـ في سورة آل عمران بأن آدم قد خلقه الله من غير أب أو أم ، فكان أولى بنسبة البنوة إليه ، لكنهم لم ينسبوا إليه ذلك ، فينبغي أن يكون عيسى كآدم.
قال ـ تعالى ـ (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).
وقوله : (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) ذم لهم على ما نطقوا به من سوء يمجه العقل السليم ، والفكر القويم.
أى : ذلك الذي قالوه في شأن «عزير والمسيح» قول تلوكه ألسنتهم في أفواههم بدون تعقل ، ولا مستند لهم فيما زعموه سوى افترائهم واختلاقهم ، فهو من الألفاظ الساقطة التي لا وزن لها ولا قيمة ، فقد قامت الأدلة السمعية والعقلية على استحالة أن يكون لله ولد أو والد أو صاحبة أو شريك.
قال ـ تعالى ـ (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً* إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً* لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) (٣).
ولقد أنذر ، سبحانه ، الذين نسبوا إليه الولد بالعقاب الشديد فقال : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ، ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ ، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) (٤).
__________________
(١) راجع تفسير المنار ص ٣٧٧ وما بعدها ففيه كلام مفيد عن عقيدة اليهود والنصارى.
(٢) راجع ـ على سبيل المثال ـ تفسير ابن جرير ج ١٠ ص ١١١. وتفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٧٢.
(٣) سورة مريم الآيات : ٩٢ ـ ٩٥.
(٤) سورة الكهف الآيتان ٤ ، ٥.