أى : لو خرج هؤلاء المنافقون معكم أيها المؤمنون إلى تبوك ما زادوكم شيئا من الأشياء إلا اضطرابا في الرأى ؛ وفسادا في العمل ، وضعفا في القتال ، لأن هذا هو شأن النفوس المريضة التي تكره لكم الخير ، وتحب لكم الشر.
قال الآلوسى. والاستثناء مفرغ متصل ، والمستثنى منه محذوف ، ولا يستلزم أن يكون لهم خبال حتى لو خرجوا زادوه ؛ لأن الزيادة باعتبار أعم العام الذي وقع منه الاستثناء.
وقال أبو حيان : إنه كان في تلك الغزوة منافقون لهم خبال فلو خرج هؤلاء أيضا واجتمعوا بهم زاد الخبال ، فلا فساد في ذلك الاستلزام لو ترتب (١).
وقوله : (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) معطوف على قوله : «ما زادوكم». والإيضاع. كما يقول القرطبي. سرعة السير قال الراجز.
يا ليتني فيها جذع |
|
أخب فيها وأضع |
يقال : وضع البعير. إذا أسرع في السير ، وأوضعته. حملته على العدو (٢).
والخلل الفرجة بين الشيئين. والجمع الخلال ، أى : الفرج التي تكون بين الصفوف وهو هنا ظرف مكان بمعنى بين ، ومفعول الإيضاع محذوف ، أى. ولأسرعوا بينكم ركائبهم بالوشايات والنمائم والإفساد.
ففي الكلام استعارة تبعية ، حيث شبه سرعة إفسادهم لذات البين بسرعة سير الراكب ، ثم استعير لها الإيضاع وهو الإبل وأصل الكلام ولأوضعوا ركائبهم ، ثم حذفت الركائب.
وجملة (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) في محل نصب على الحال من فاعل (أوضعوا).
أى : لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا شرا وفسادا ، ولأسرعوا بينكم بالإشاعات الكاذبة ، والأقوال الخبيثة ، حال كونهم باغين وطالبين لكم الافتتان في دينكم ، والتشكيك في صحة عقائدكم ، والتثبيط عن القتال ، والتخويف من قوة أعدائكم ، ونشر الفرقة في صفوفكم.
فالمراد بالفتنة هنا : كل ما يؤدى إلى ضعف المسلمين في دينهم أو في دنياهم.
وقوله : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) بيان لأحوال المؤمنين في ذلك الوقت.
أى. وفيكم. في ذلك الوقت. يا معشر المؤمنين ، أناس كثير والسماع لهؤلاء المنافقين ، سريعو الطاعة لما يلقون إليهم من أباطيل.
قال ابن كثير. قوله : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) أى : مطيعون لهم ، ومستحسنون
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ١١٢.
(٢) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٥٧.