لحديثهم وكلامهم ، يستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم ، فيؤدى إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير.
وقال مجاهد وزيد بن أسلم وابن جرير ، (وفيكم سماعون لهم) أى : عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم.
وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم ، بل هذا عام في جمع الأحوال.
والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق. وإليه ذهب قتادة وغيره من المفسرين.
وقال محمد بن إسحاق : كان الذين استأذنوا ، فيما بلغني ، من ذوى الشرف ، منهم عبد الله بن أبى بن سلول ، والجد بن قيس ، وكانوا أشرافا في قومهم ، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا فيفسدوا عليه جنده. وكان في جنده قوم أهل محبة لهم ، وطاعة فيما يدعونهم إليه لشرفهم فقال : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) (١).
وقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) تذييل المقصود منه وعيد هؤلاء المنافقين وتهديدهم بسبب ما قدمت أيديهم من مفاسد.
أى : والله ـ تعالى ـ لا تخفى عليه خافية من أحوال هؤلاء الظالمين ، وسيعاقبهم بالعقاب المناسب لجرائمهم ورذائلهم.
وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد وضحت أن هناك ثلاث مفاسد كانت ستترتب على خروج هؤلاء المنافقين مع المؤمنين إلى تبوك.
أما المفسدة الأولى : فهي زيادة الاضطراب والفوضى في صفوف المجاهدين.
وأما المفسدة الثانية : فهي الإسراع بينهم بالوشايات والنمائم والإشاعات الكاذبة.
وأما المفسدة الثالثة : فهي الحرص على تفريق كلمتهم ، وتشكيكهم في عقيدتهم.
وهذه المفاسد الثلاث ما وجدت في جيش إلا وأدت إلى انهزامه وفشله.
ومن هنا كان تثبيط الله ـ تعالى ـ لهؤلاء المنافقين ، نعمة كبرى للمؤمنين.
ومن هنا ـ أيضا ـ كانت الكثرة العددية في الجيوش لا تؤتى ثمارها المرجوة منها ، إلا إذا كانت متحدة في عقيدتها ، وأهدافها ، واتجاهاتها .. أما إذا كانت هذه الكثرة مشتملة على عدد كبير من ضعاف الإيمان ، فإنها في هذه الحالة يكون ضررها أكبر من نفعها.
ثم ذكر الله تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم بطرف من الماضي المظلم لهؤلاء المنافقين فقال : (لَقَدِ
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٦١.