أى لا نبت فيها ، وغصن أمرد. أى : لا ورق له ... ويقال : مرد يمرد مرودا ومرادة» (١).
والمعنى : اذكروا أيها المؤمنون أنه يسكن من حول مدينتكم قوم من الأعراب منافقون ، فاحترسوا منهم ، واحترسوا ـ أيضا ـ من قوم آخرين يسكنون معكم داخل المدينة ، مردوا على النفاق ، أى : مرنوا عليه ، وأجادوا فنونه ، حتى بلغوا فيه الغاية.
قال الآلوسى ما ملخصه : والمراد بالموصول. في قوله «وممن حولكم». قبائل : جهينة ، ومزينة وأشجع ، وأسلم ... وكانت منازلهم حول المدينة وإلى هذا ذهب جماعة من المفسرين.
واستشكل ذلك بأن النبي صلىاللهعليهوسلم مدح بعض هذه القبائل ودعا لبعضها فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة أنه قال : «قريش ، والأنصار ، وجهينة ، ومزينة ، وأشجع وأسلم ، وغفار ، موالي الله ـ تعالى ـ ورسوله لا والى لهم غيره».
وأجيب ذلك باعتبار الأغلب منهم (٢).
وقوله : (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) بيان لتمردهم في النفاق وتمهرهم فيه.
أى : أنت أيها الرسول الكريم. لا تعرف هؤلاء المنافقين. مع كمال فطنتك ، وصدق فراستك لأنك تعامل الناس بظواهرهم ، وهم قد أجادوا النفاق وحذقوه ، واجتهدوا في الظهور بمظهر المؤمنين ، أما نحن فإننا نعلمهم لأننا لا يخفى علينا شيء من ظواهرهم أو بواطنهم ..».
قال الإمام ابن كثير : وقوله تعالى (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) لا ينافي قوله تعالى (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ ، فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ ، وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ...) لأن هذا من باب التوسم فيهم بصفات يعرفون بها لا أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين ، وقد كان صلىاللهعليهوسلم يعلم أن في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقا ، وإن كان يراه صباحا ومساء.
وشاهد هذا بالصحة ما رواه الإمام أحمد عن جبير بن مطعم قال : قلت : يا رسول الله ، إنهم يزعمون أنه ليس لنا أجر بمكة ، فقال : «لتأتينكم أجوركم ولو كنتم في جحر ثعلب» وأصغى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم برأسه فقال : «إن في أصحابى منافقين» : ومعناه أنه قد يبوح بعض المنافقين والمرجفين بما لا صحة له من الكلام ، ومن مثلهم صدر هذا الكلام الذي سمعه جبير بن مطعم.
__________________
(١) تفسير القرطبي بتصرف وتلخيص ج ٨ ص ٢٤٠.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٠.