ثم قال : وقد تقدم في تفسير قوله ـ تعالى ـ (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) أنه صلىاللهعليهوسلم أعلم حذيفة بأعيان أربعة عشر أو خمسة عشر منافقا. وهذا تخصيص لا يقتضى أنه اطلع على أسمائهم وأعيانهم كلهم.
وروى الحافظ بن عساكر عن أبى الدرداء ، أن رجلا يقال له حرملة أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : الإيمان ها هنا وأشار بيده إلى لسانه ، والنفاق ها هنا وأشار بيده إلى قلبه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «اللهم اجعل له لسانا ذاكرا ، وقلبا شاكرا ، وارزقه حبى ، وحب من يحبني ، وصير أمره إلى خير».
فقال الرجل يا رسول الله : إنه كان لي أصحاب من المنافقين وكنت رأسا فيهم ، أفلا آتيك بهم؟ فقال : صلىاللهعليهوسلم : «ومن أتانا استغفرنا له ، ومن أصر فالله أولى به ، ولا تخرقن على أحد سترا» (١).
وقال الآلوسى. واستدل بالآية على أنه لا ينبغي الإقدام على دعوى معرفة الأمور الخفية من أعمال القلب ونحوها ، فقد أخرج عبد الرازق وابن المنذر وغيرهما عن قتادة : أنه قال : ما بال أقوام يتكلفون على الناس يقولون : فلان في الجنة وفلان في النار ، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال : لا أدرى. لعمري لأنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس ، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه نبي. فقد قال نوح عليهالسلام «وما علمي بما كانوا يعملون» وقال شعيب عليهالسلام «وما أنا عليكم بحفيظ» ، وقال الله تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ).
وهذه الآيات ونحوها أقوى دليل في الرد على من يزعم الكشف والاطلاع على المغيبات بمجرد صفاء القلب ، وتجرد النفس عن الشواغل.
ثم قال : والجملة الكريمة «لا تعلمهم نحن نعلمهم» تقرير لما سبق من مهارتهم في النفاق ، أى : لا يقف على سرائرهم المذكورة فيهم ، إلا من لا تخفى عليه خافية ، لما هم عليه من شدة الاهتمام بإبطان الكفر وإظهار الإخلاص (٢).
وقوله : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) وعيد لهم بسوء المصير في الدنيا والآخرة.
أى : هؤلاء المنافقون الذين مردوا على النفاق ، سنعذبهم في الدنيا مرتين ، مرة عن طريق فضحيتهم وهتك أستارهم وجعلهم يعيشون في قلق وهم دائم ، والأخرى عن طريق ضرب
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٨٤.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١١.