ولم يذكر ـ سبحانه ـ المبشر به في قوله : «وبشر المؤمنين» ، للإشارة إلى أنه أمر جليل لا يحيط به الوصف ، ولا تحده العبارة.
ولم يذكر ـ سبحانه ـ في الآية لهذه الأوصاف متعلقا ، فلم يقل «التائبون» من كذا ، لفهم ذلك من المقام ، لأن المقام في مدح المؤمنين الصادقين الذين أخلصوا نفوسهم لله ، تعالى. فصاروا ملتزمين طاعته في كل أقوالهم وأعمالهم.
وعبر عن كثرة صلاتهم وخشوعهم فيها بقوله. «الراكعون الساجدون» للإشارة إلى أن الصلاة كأنها صفة ثابتة من صفاتهم ، وكأن الركوع والسجود طابع مميز لهم بين الناس. وإنما عطف النهى عن المنكر على الأمر بالمعروف للإيذان بأنهما فريضة واحدة لتلازمهما في الغالب ، أو لما بينهما من تباين إذ الأمر بالمعروف طلب فعل ، والنهى عن المنكر طلب ترك أو كف.
وكذلك جاء قوله. «والحافظون لحدود الله» بحرف العطف ومما قالوه في تعليل ذلك. أن سر العطف هنا التنبيه على أن ما قبله مفصل للفضائل وهذا مجمل لها ، لأنه شامل لما قبله وغيره ، ومثله يؤتى به معطوفا ، نحو زيد وعمرو وسائر قبيلتهما كرماء ، فلمغايرته لما قبله بالإجمال والتفصيل والعموم والخصوص عطف عليه (١).
هذا ، وما ذكرناه من أن المراد بقوله : «السائحون» أى : السائرون في الأرض للتدير والاعتبار والتفكر في خلق الله ، والعمل على مرضاته .. هذا الذي ذكرناه رأى لبعض العلماء. ومنهم من يرى أن المراد بهم الصائمون ومنهم من يرى أن المراد بهم : المجاهدون.
قال الآلوسى : وقوله : «السائحون» أى الصائمون. فقد أخرج ابن مردويه عن أبى هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن ذلك فأجاب بما ذكر ، وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين. وجاء عن عائشة : «سياحة هذه الأمة الصيام».
وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن زيد أن السائحين هم المهاجرون ، وليس في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم سياحة إلا الهجرة.
وعن عكرمة أنهم طلبة العلم ، لأنهم يسيحون في الأرض لطلبه.
وقيل : هم المجاهدون في سبيل الله ، لما أخرج الحاكم وصححه والطبراني وغيرهما ، عن أبى أمامة أن رجلا استأذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في السياحة فقال : إن سياحة أمتى الجهاد في سبيل الله (٢).
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ٨ ص ٣٠٨٠.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٣١.