يستقذر نفسه إذا كان جنبا ، ويغتم إذا لم يتمكن من الاغتسال ، ويضطرب قلبه لأجل هذا السبب (١).
وثانيها : قوله ـ تعالى ـ : ويذهب عنكم رجز الشيطان».
وأصل الرجز : الاضطراب ويطلق على كل ما تشتد مشقته على النفوس.
قال الراغب : أصل الرجز الاضطراب ، ومنه قيل رجز البعير رجزا فهو أرجز ، وناقة رجزاء إذا تقارب خطوها واضطرب لضعفها ..» (٢).
والمراد برجز الشيطان : وسوسته للمؤمنين ، وتخويفه إياهم من العطش وغيره عند فقدهم الماء وإلقاؤه الظنون السيئة في قلوبهم.
أى : أنه ـ سبحانه ـ أنزل عليكم الماء ـ أيها المؤمنون ـ ليطهركم به تطهيرا حسيا وليزيل عنكم وسوسة الشيطان ، بتخويفه إياكم من العطش وبإلقائه في نفوسكم الظنون والأوهام .. وهذا هو التطهير الباطني.
وثالثها قوله ـ تعالى ـ : (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) أى : وليقويها بالثقة في نصر الله ، وليوطنها على الصبر والطمأنينة .. ولا شك أن وجود الماء في حوزة المحاربين يزيدهم قوة على قوتهم ، وثباتا على ثباتهم ، أما فقده فإنه يؤدى إلى فقد الثقة والاطمئنان ، بل وإلى الهزيمة المحققة.
وأصل الربط : الشد. ويقال لكل من صبر على أمر : ربط قلبه عليه ، أى : حبس قلبه عن أن يضطرب أو يتزعزع ، ومنه قولهم : رجل رابط الجأش. أى : ثابت متمكن.
ورابع هذه النعم التي تولدت عن نزول الماء من السماء على المؤمنين ، قبل خوضهم معركة بدر ، يتجلى في قوله ـ تعالى ـ (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ).
أى : أنه ـ سبحانه ـ أنزل عليهم المطر قبل المعركة لتطهيرهم حسيا ومعنويا ، ولتقويتهم وطمأنينتهم ، وليثبت أقدامهم به حتى لا تسوخ في الرمال ، وحتى يسهل المشي عليها ، إذ من المعروف أنه من العسير المشي على الرمال ، فإذا ما نزلت عليها الأمطار جمدت وسهل السير فوقها ، وانطفأ غبارها .. فالضمير في قوله (بِهِ) يعود على الماء المنزل من السماء.
قال الزمخشري : ويجوز أن يعود للربط ـ في قوله (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) ، لأن القلب إذا تمكن فيه الصبر والجراءة ثبتت القدم في مواطن القتال.
هذا ، وقد وردت آثار متعددة توضح ما اشتملت عليه هذه الآية الكريمة من نعم جليلة ،
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ١٣٣.
(٢) المفردات في غريب القرآن ص ١٧٨. الأصفهاني. طبعة مصطفى الحلبي سنة ١٩٦١.