قائمة الکتاب
11 ـ (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ)
٤٨
إعدادات
التفسير الوسيط للقرآن الكريم [ ج ٦ ]
التفسير الوسيط للقرآن الكريم [ ج ٦ ]
المؤلف :الدكتور محمد سيد طنطاوي
الموضوع :القرآن وعلومه
الناشر :دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الصفحات :444
تحمیل
هذا ، ومن العلماء الذين تكلموا عن نعمة النعاس التي ساقها الله للمؤمنين قبل المعركة ، الإمامان الرازي ومحمد عبده.
أما الامام الرازي فقد قال ما ملخصه : واعلم أن كل نوم ونعاس لا يحصل إلا من قبل الله ـ تعالى ـ فتخصيص هذا النعاس بأنه من الله لا بد فيه من مزيد فائدة ، وذكروا في ذلك وجوها : منها : أن الخانف إذا خاف من عدوه فإنه لا يأخذه النوم ، وإذا نام الخائفون أمنوا. فصار حصول النوم لهم في وقت الخوف الشديد ، يدل على إزالة الخوف وحصول الأمن.
ومنها : أنهم ما ناموا نوما غرقا يتمكن معه العدو من معافصتهم ، بل كان ذلك نعاسا يزول معه الإعياء والكلال ، ولو قصدهم العدو في هذه الحالة لعرفوا وصوله ، ولقدروا على دفعه.
ومنها : أنه غشيهم هذا النعاس دفعة واحدة مع كثرتهم ، وحصول النعاس للجمع العظيم في الخوف الشديد أمر خارق للعادة. فلهذا السبب قيل : إن ذلك النعاس كان في حكم المعجز (١).
وقال الإمام محمد عبده : لقد مضت سنة الله في الخلق ، بأن من يتوقع في صبيحة ليلته هولا كبيرا ، ومصابا عظيما ، فإنه يتجافى جنبه عن مضجعه فيصبح خاملا ضعيفا. وقد كان المسلمون يوم بدر يتوقعون مثل ذلك ، إذ بلغهم أن جيشا يزيد على عددهم ثلاثة أضعاف سيحاربهم غدا فكان من مقتضى العادة أن يناموا على بساط الأرق والسهاد .. ولكن الله رحمهم بما أنزل عليهم من النعاس : غشيهم فناموا ، واثقين بالله ، مطمئنين لوعده ، وأصبحوا على همة ونشاط في لقاء عدوهم وعدوه .. فالنعاس لم يكن يوم بدر في وقت الحرب بل قبلها» (٢).
وبذلك نرى أن النعاس الذي أنزله الله تعالى ـ على المؤمنين قبل لقائهم بأعدائهم في بدر كان نعمة عظيمة ومنة جليلة.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) معطوف على قوله (يُغَشِّيكُمُ) وهو ـ أى : إنزال الماء من السماء نعمة عظمى تحمل في طياتها نعما وسننا.
أولها : يتجلى في هذه الجملة الكريمة ، أنه ـ سبحانه ـ أنزل على المؤمنين المطر من السماء ليطهرهم به من الحدثين : الأصغر والأكبر ، فإن المؤمن ـ كما يقول الإمام الرازي ـ «يكاد
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ١٣٢.
(٢) تفسير المنار ج ٤ ص ١٨٥.