هذا ، وللمفسرين في معنى هذه الجملة الكريمة أقوال متعددة أهمها قولان :
أما القول الأول فهو أن المراد بالحيلولة بين المرء وقلبه ـ كما يقول ابن جرير ـ : أنه ـ سبحانه ـ أملك لقلوب عباده منهم وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك شيئا من إيمان أو كفر ، أو أن يعي به شيئا ، أو أن يفهم إلا بإذنه ومشيئته ، وذلك أن الحول بين الشيء والشيء إنما هو الحجز بينهما ، وإذا حجز ـ جل ثناؤه ـ بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه ، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكه سبيل ، وإذا كان ذلك معناه دخل في ذلك قول من قال : يحول بين المؤمن والكفر ، وبين الكافر والإيمان.
وقول من قال : يحول بينه وبين عقله. وقول من قال : يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه .. فالخبر على العموم حتى يخصصه ما يجب التسليم له ، (١).
وقد رجح ابن جرير هذا القول بعد أن ذكر قبله بعض الأقوال الأخرى.
وقال ابن كثير ـ بعد أن لخص القول الذي رجحه ابن جرير ـ : وقد وردت الأحاديث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : إن قلوب بنى آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد ، يصرفها كيف شاء ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك).
وروى : الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة عن النواس بن سمعان الكلابي قال : سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين ، إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه» (٢).
أما القول الثاني فهو أن المراد بالحيلولة بين المرء وقلبه ـ كما يقول الزمخشري ـ «أنه ـ سبحانه ـ يميت المرء فتفوته الفرصة التي هو واجدها ، وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله ، ورده سليما كما يريده الله ، فاغتنموا هذه الفرصة ، وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله ، (٣).
أو ـ كما يقول الفخر الرازي ـ بعبارة أوضح : «أن المراد أنه ـ تعالى ـ يحول بين المرء وبين ما يتمناه ويريده بقلبه ، فإن الأجل يحول دون الأمل. فكأنه قال : بادروا إلى الأعمال الصالحة ولا تعتمدوا على ما يقع في قلوبكم من توقع طول البقاء ، فإن ذلك غير موثوق به ،
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٩ ص ٢١٧.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٩٨ ـ باختصار يسير ـ
(٣) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢١٠.