[٢ / ١٩٧٤] كما قال عليّ عليهالسلام : «وإنّ قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار» (١).
***
وقد مال الإمام الرازي إلى رأي أبي عليّ الجبّائي وأنّه بعد العلم الضروري لا تكليف ، فإذا كان المانع هو هذا ، لم يمتنع في هؤلاء الّذين أماتهم بالصاعقة أن لا يكون قد اضطرّهم إلى المعرفة ، إذ كانوا في غفوة من ذلك ، ويكون موتهم ثمّ الإحياء بمنزلة النوم أو الإغماء (٢).
وهكذا قال الشيخ في التبيان ، قال ـ دعما لمذهب أبي عليّ ـ : ولأبي عليّ أن يقول : لا نمنع من الوجوب ، لكن لا يجوز التكليف ، لأنّ الغرض المعرفة ـ أي هي أصل ما وقع التكليف به للعباد ـ وقد حصلت.
قال : والذي أقوله : إنّ الّذي يحيى بعد الإماتة ، إن كان لم يحصل له المعرفة الضروريّة ولم يضطرّ إليها ، فإنّه لا يمتنع تكليفه ، إذ ليس الإحياء بعد الإماتة ـ حينذاك ـ إلّا كالانتباه من النوم والإفاقة بعد الغشية ، فإنّ ذلك لا يوجب علم الاضطرار (٣).
وللشيخ تقريب آخر لجواز التكليف وعدم حصول المعرفة ، قال : لأنّ العلم بأنّ الإحياء بعد الإماتة ، هو من صنعه تعالى ، لا يحصل إلّا بعد التفكّر والتحقيق لمن كان من أهله. إذ طريق الاستدلال وقيام الحجّة الباهرة ، حيث كانت من غوامض الدلائل وليست من كواشفها الواضحة لكلّ أحد. وعليه فليس مجرّد الإحياء بعد الإماتة ممّا يوجب العلم لمن أحياه الله ، بأنّ ذلك من صنعه تعالى ، فلا يكون مضطرّا إلى المعرفة ولا يوجب بلوغ الكمال.
قال : فلذلك يصحّ تكليفه كما في المنتبه بعد المنام أو المفيق بعد الغشية (٤).
قلت : والأرجح في النظر : أنّ أمثال الآيات التي وقعت في مشاهد من بني إسرائيل والتي منها إحياء السبعين من خيارهم ، إنّها لكانت كافية لتنبّه سائر الأمم الصاحية الواعية. لا لأمّة عاصية عاتية ، قد أشرب في قلوبهم العجل سفها وحمقا. فأين المعرفة وكمالها بشأنهم بالذات ، والبون بعيد والمسافة شاسعة.
__________________
(١) نهج البلاغة ٤ : ٥٣ ، الحكمة ٢٣٧.
(٢) التفسير الكبير ٣ : ٨٦ ـ ٨٧.
(٣) التبيان ١ : ٢٥٤.
(٤) المصدر.