عين الرائي ، فتنطبع فيها صورته الخارجيّة.
هذه هي حقيقة الرؤية بالعين ، المستدعية للتقابل مع الشيء المرئي تقابلا بالتحيّز ، كلّ في جهة. وهذا تجسيم يستدعي تشبيها بخلقه ، تعالى الله عن ذلك.
وأجاب الأشعري عن آية الأبصار بأنّه من المحتمل أن يراد : لا تدركه الأبصار في الدنيا ، وتدركه في الآخرة. أو يراد : لا تدركه أبصار الكافرين المكذّبين (١).
قلت : لعلّ من الواضح البيّن أنّ شيخ الأشاعرة ارتكب تأويلا باهتا وحوّر وجه الآية إلى غير وجهها الوجيه ، ومن غير ضرورة تدعوه إلى هذا الارتكاب الغريب ، الّذي هو أشبه بالتفسير بالرأي المقيت!
يا ترى ، كيف يصرف إطلاق وجه الآية ويحوّلها إلى ما لا دلالة عليه ، لا من العقل الرشيد ولا من النقل السديد!
ولعلّه استند إلى رواية مجهولة الإسناد حسبها مرفوعة إلى المعصوم ، ممّا دعى بمثل الزمخشري أن يسخر منه ويصفها بالمرقوعة ـ بالقاف ـ أي المفتراة ، لا تصدر إلّا عن رقيع (٢) قال : وزعمت المشبّهة والمجبّرة (٣) أنّ الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى.
[٢ / ١٩٨٠] وجاءت بحديث مرقوع : «إذا دخل أهل الجنّة الجنّة نودوا : يا أهل الجنّة! فيكشف الحجاب فينظرون إليه. فو الله ما أعطاهم الله شيئا هو أحبّ إليهم منه» (٤).
والحديث رواه مسلم وغيره بالإسناد إلى حمّاد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن صهيب عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٥).
__________________
(١) راجع : الإبانة : ٣٠.
(٢) راجع : روح المعاني للآلوسي ١١ : ٩١. يقال : رقع رقاعة : حمق وكان قليل الحياء ، فهو رقيع وأرقع.
(٣) قال الشيخ محمّد عليان : يريد أهل السنّة القائلين بجواز رؤيته تعالى ووقوعها في الآخرة (هامش الكشّاف ٢ : ٣٤٢).
(٤) الكشّاف ٢ : ٣٤٢.
(٥) مسلم ١ : ١١٢ باب إثبات رؤية المؤمنين ربّهم في الآخرة ؛ مسند أحمد ٤ : ٣٣٢ و ٦ : ١٦ ؛ الترمذي ٥ : ٢٨٦ تفسير سورة يونس ؛ ابن ماجة ١ : ٨١ باب فيما أنكرت الجهمية من المقدّمة.