قدرة الله العزيز الجبّار ، الأمر الذي كان يبعثهم على الجرأة والشجاعة والإقدام ، وغير مهابين من أحد ولا خائفين من شيء.
هذا الأمر كان في بدء الأمر موجّها إلى العيون الاثني عشر الّذين بعثهم موسى لغرض الاستطلاع واستخبار الحال ، ليعودوا بالبشائر والترغيب في المكافحة والنضال. الأمر الذي وفى به اثنان منهم وهما : يوشع وكالب. فجعلا يحرّضان القوم ويشجّعانهم على الجرءة والقيام.
أمّا العشرة الباقية فعاكسوا الدستور وجعلوا يجبّنون القوم ويثبّطونهم. وبدلا من أن يذكروا وفور النعم وفيض بركاتها ، جعلوا يزهّدونهم فيها باستقلالها والاستهانة بها.
كما أنّهم بدلا من أن يذكروا الثغرات المؤاتية لإمكان الظفر على القوم ، جعلوا يصفون من قوّة القوم وشكيمتهم ، بما كاد يهول بني إسرائيل ويوجب إحجامهم عن القيام والإقدام.
وهذا معنى قوله تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ). أي بدلا من أن يذكروا ما يثبّت عزيمة القوم ، ذكروا ما يثبّطهم.
(فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) وهم العشرة المتخلّفة (رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ).
والرّجز : العذاب. قال الخليل : وكلّ عذاب أنزل على قوم فهو رجز (١).
قال أبو إسحاق : ومعنى الرّجز في القرآن هو العذاب المقلقل ، لشدّته ، وله قلقلة شديدة متتابعة (٢). أي البلاء النازل المورث للاضطراب المتتابع حتّى الهلاك. ومن ثمّ فسّروه بالوباء أو الطاعون من الأوبئة التي توجب اضطرابا متتابعا ، وتسريعا إلى الهلاك.
وخصّ بالذين ظلموا ـ ولم يعمّ القوم ـ لأنّ الّذين بدّلوا القول هم العشرة المتخلّفة المثبّطة للقوم.
***
هذا وأمّا الروايات الواردة بشأن هذا الحادث الخطير ، فأكثرها مشوّهة ومشوّشة إلى حدّ بعيد. ويبدو أنّها من مصطنعات اليهود وعامّيّاتهم الشائعة ، تسرّبت إلى التفسير والتاريخ (٣). وليس فيها
__________________
(١) العين ٦ : ٦٦.
(٢) لسان العرب ٥ : ٣٥٢.
(٣) كما قال العلّامة ابن خلدون : كانت العرب يراجع أهل الكتاب قبلهم ، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبعهم من حمير ،