قال أبو جعفر : وأصل الجزاء في كلام العرب : القضاء والتعويض ، يقال : جزيته قرضه ودينه أجزيه جزاء ، بمعنى : قضيته دينه ، ومن ذلك قيل : جزى الله فلانا عنّي خيرا أو شرّا ، بمعنى : أثابه عنّي وقضاه عنّي ما لزمني له بفعله الذي سلف منه إليّ. وقد قال قوم من أهل العلم بلغة العرب : يقال : أجزيت عنه كذا : إذا أعنته عليه ، وجزيت عنك فلانا : إذا كافأته. وقال آخرون منهم : بل جزيت عنك : قضيت عنك ، وأجزيت : كفيت. وقال آخرون منهم : بل هما بمعنى واحد ، يقال : جزت عنك شاة وأجزت ، وجزى عنك درهم وأجزى ، ولا تجزي عنك شاة ولا تجزي (١) بمعنى واحد ، إلّا أنهم ذكروا أنّ جزت عنك ولا تجزي عنك من لغة أهل الحجاز ، وأنّ أجزأ وتجزئ من لغة غيرهم. وزعموا أنّ تميما خاصّة من بين قبائل العرب تقول : أجزأت عنك شاة ، وهي تجزئ عنك. وزعم آخرون أنّ جزى بلا همز : قضى ، وأجزأ بالهمز : كافأ. فمعنى الكلام إذا : واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس شيئا ولا تغني عنها غنى.
فإن قال لنا قائل : وما معنى : لا تقضي نفس عن نفس ، ولا تغني عنها غنى؟ قيل : هو أنّ أحدنا اليوم ربما قضى عن ولده أو والده أو ذي الصداقة والقرابة دينه ؛ وأمّا في الآخرة فإنّه فيما أتتنا به الأخبار عنها يسرّ الرجل أن يبرد له على ولده أو والده حقّ (٢) ، وذلك أنّ قضاء الحقوق في القيامة من الحسنات والسيئات. كما :
[٢ / ١٦٩٩] عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رحم الله عبدا كانت عنده لأخيه مظلمة في عرض أو مال فاستحلّه قبل أن يؤخذ وليس ثمّ دينار ولا درهم ، فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته ، وإن لم تكن له حسنات حمّلوه عليه من سيئاتهم» (٣).
[٢ / ١٧٠٠] وعن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يموتّن أحدكم وعليه دين ، فإنّه ليس هناك دينار ولا درهم ، إنّما يقتسمون هنالك الحسنات والسيّئات» وأشار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيده يمينا وشمالا.
__________________
(١) تجزي الأولى مفتوحة التاء ، والثانية مضمومة. أو بالعكس.
(٢) يقال : برد الحقّ عليه أو له ، إذا ثبت.
(٣) الترمذي ٤ : ٣٦ ـ ٣٧ / ٢٥٣٤ ، وقال : هذا حديث حسن صحيح.