قال : وهذه العيون بالبرّ الشرقيّ غير بعيدة من مدينة «السويس» شهيرة بعيون موسى وقلّ اليوم ماء هذه العيون وبعضها طمست آثاره ، ويزرع على تلك المياه بعض النخيل.
قال : والظاهر أنّ ضرب الحجر وانبجاسه بالماء حصل مرّات (١).
***
قال أبو جعفر الطبري : يعني بقوله : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ) : وإذ استسقانا موسى لقومه ، أي سألنا أن نسقي قومه ماء. فترك ذكر المسؤول ذلك والمعنى الذي سأل موسى ، إذ كان فيما ذكر من الكلام الظاهر ، دلالة على معنى ما ترك. وكذلك قوله : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) ممّا استغني بدلالة الظاهر على المتروك منه. وذلك أنّ معنى الكلام ، فقلنا : اضرب بعصاك الحجر فضربه فانفجرت ، فترك ذكر الخبر عن ضرب موسى الحجر ، إذ كان فيما ذكر دلالة على المراد منه. وكذلك قوله : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) إنّما معناه : قد علم كلّ أناس منهم مشربهم ، فترك ذكر منهم لدلالة الكلام عليه.
وقد دلّلنا فيما مضى على أنّ «الناس» جمع لا واحد له من لفظه ، وأنّ «الإنسان» لو جمع على لفظه لقيل : أناسيّ وأناسية (٢). وقوم موسى هم بنو إسرائيل الّذين قصّ الله ـ عزوجل ـ قصصهم في هذه الآيات ، وإنّما استسقى لهم ربّه الماء في الحال التي تاهوا فيها في التيه ، كما :
[٢ / ٢١٦٧] روى سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة في قوله : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ) الآية قال : كان هذا إذ هم في البرّيّة اشتكوا إلى نبيّهم الظمأ ، فأمروا بحجر طوريّ ـ أي من الطور ـ أن يضربه موسى بعصاه ، فكانوا يحملونه معهم ، فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، لكلّ سبط عين معلومة مستفيض ماؤها لهم.
[٢ / ٢١٦٨] وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : ذلك في التيه ظلّل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المنّ والسلوى ، وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتّسخ ، وجعل بين ظهرانيهم حجر مربّع ، وأمر موسى فضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كلّ ناحية منه ثلاث عيون ، لكلّ
__________________
(١) قصص الأنبياء : ٢١١.
(٢) وآناس أيضا وأناس في الآية ، جمع إنس ، واحدته : إنسيّ. ويجمع على أناس وأناسي.