الحاجة قبل استشفاعه به في حاجته فردا ، فصار صاحبه له فيها شافعا ، وطلبه فيه وفي حاجته شفاعة ؛ ولذلك سمّي الشفيع في الدار وفي الأرض شفيعا لمصير البائع به شفعا (١).
فتأويل الآية إذا : واتّقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس حقّا لزمها لله ـ جلّ ثناؤه ـ ولا لغيره ، ولا يقبل الله منها شفاعة شافع ، فيترك لها ما لزمها من حقّ! وقيل : إنّ الله ـ عزوجل ـ خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها ، لأنّهم كانوا من يهود بني إسرائيل ، وكانوا يقولون : نحن أبناء الله وأحبّاؤه وأولاد أنبيائه ، وسيشفع لنا عنده آباؤنا! فأخبرهم الله ـ جلّ وعزّ ـ أنّ نفسا لا تجزي عن نفس شيئا في القيامة ، ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها ، حتّى يستوفى لكلّ ذي حقّ منها حقّه. كما :
[٢ / ١٧٠٣] روى ابن عفّان : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ الجمّاء ـ وهي الّتي لا قرن لها ـ لتقتصّ من القرناء يوم القيامة ، كما قال الله ـ عزوجل ـ : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً)(٢) الآية (٣).
فآيسهم الله ـ جلّ ذكره ـ ممّا كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النجاة من عذاب الله ، مع تكذيبهم بما عرفوا من الحقّ وخلافهم أمر الله في اتّباع محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وما جاءهم به من عنده ، بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلّهم ، وأخبرهم أنّه غير نافعهم عنده إلّا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم ، وجعل ما سنّ فيهم من ذلك إماما لكلّ من كان على مثل منهاجهم ، لئلّا يطمع ذو إلحاد في رحمة الله!
قال أبو جعفر : وهذه الآية وإن كان مخرجها عامّا في التلاوة ، فإنّ المراد بها خاصّ في التأويل ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
[٢ / ١٧٠٤] أنّه قال : «شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» (٤).
[٢ / ١٧٠٥] وأنّه قال : «ليس من نبيّ إلّا وقد أعطي دعوة ، وإنّي خبأت دعوتي شفاعة لأمّتي ، وهي
__________________
(١) الطبري ١ : ٣٨١.
(٢) الأنبياء ٢١ : ٤٧.
(٣) مسند أحمد ١ : ٧٢ ؛ مجمع الزوائد ١٠ : ٣٥٢ ؛ كنز العمال ١٤ : ٣٧٣ / ٣٨٩٨٦. ولكنّ فيه نكارة ، إذ كيف يقتصّ من بهيمة لا تشعر بالعدوان؟! ومن ثمّ فهو مرفوض على أصول الحكمة.
(٤) مسند أحمد ٣ : ٢١٣ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٤٤١ / ٤٣١٠ ، عن جابر ؛ وأبو داوود ٢ : ٤٢١ / ٤٧٣٩ ، عن أنس بن مالك ؛ الترمذي ٤ : ٤٥ / ٢٥٥٢ عن أنس و ٢٥٥٣ عن جابر.