قد كنت أحسبني كأغنى واحد |
|
قدم المدينة عن زراعة فوم |
قال : يا ابن الأزرق ومن قرأها على قراءة ابن مسعود فهو هذا المنتن ، قال أميّة ابن أبي الصلت :
كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة |
|
فيها الفراديس والفومات والبصل |
وقال أميّة بن أبي الصلت أيضا :
أنفى الدياس (١) من الفوم الصحيح كما |
|
أنفي من الأرض صوب الوابل البرد (٢) |
***
وقال أبو جعفر في تأويل قوله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) :
تأويل ذلك : فدعا موسى فاستجبنا له ، فقلنا لهم : اهبطوا مصرا. وهو من المحذوف الذي اجتزئ بدلالة ظاهره على ذكر ما حذف وترك منه. وقد دلّلنا فيما مضى على أنّ معنى الهبوط إلى المكان إنّما هو النزول إليه والحلول به.
فتأويل الآية إذن : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها) قال لهم موسى : أتستبدلون الذي هو أخسّ وأردأ من العيش بالذي هو خير منه؟ فدعا لهم موسى ربّه أن يعطيهم ما سألوه ، فاستجاب الله له دعاءه ، فأعطاهم ما طلبوا ، وقال الله لهم : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ).
ثمّ اختلف القرّاء في قراءة قوله : (مِصْراً) فقرأه عامّة القرّاء : (مِصْراً) بتنوين مصر وإجرائه (٣) ؛ وقرأه بعضهم بترك التنوين وحذف الألف منه. فأمّا الّذين نوّنوه وأجروه ، فإنّهم عنوا به مصرا من الأمصار لا مصرا بعينه ، فتأويله على قراءتهم : اهبطوا مصرا من الأمصار ، لأنّكم في البدو ، والذي طلبتم لا يكون في البوادي والفيافي ، وإنّما يكون في القرى والأمصار ، فإنّ لكم إذا هبطتموه ما سألتم من العيش. وقد يجوز أن يكون بعض من قرأ ذلك بالإجراء والتنوين ، كان تأويل الكلام عنده : اهبطوا مصرا البلدة التي تعرف بهذا الاسم وهي «مصر» التي خرجوا عنها ، غير أنّه أجراها ونوّنها اتّباعا منه خطّ المصحف ، لأنّ في المصحف ألفا ثابتة في مصر ، فيكون سبيل قراءته ذلك
__________________
(١) الدياس : ما يداس من سنابل الحبوب.
(٢) الدرّ ١ : ١٧٧.
(٣) أي صرفه بالتنوين.