بالإجراء والتنوين سبيل من قرأ : (قَوارِيرَا. قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ)(١) منوّنة اتباعا منه خطّ المصحف. وأمّا الذي لم ينوّن مصر فإنّه لا شكّ أنّه عنى مصر التي تعرف بهذا الاسم بعينها دون سائر البلدان غيرها.
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك نظير اختلاف القرّاء في قراءته :
[٢ / ٢٢١١] فعن قتادة : (اهْبِطُوا مِصْراً) أي مصرا من الأمصار (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ).
[٢ / ٢٢١٢] وعن السدّي : (اهْبِطُوا مِصْراً) من الأمصار ، (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) فلمّا خرجوا من التيه رفع المنّ والسلوى وأكلوا البقول.
[٢ / ٢٢١٣] وعن مجاهد : (اهْبِطُوا مِصْراً) قال : مصرا من الأمصار ، زعموا أنّهم لم يرجعوا إلى مصر.
[٢ / ٢٢١٤] وعن ابن زيد : (اهْبِطُوا مِصْراً) قال : مصرا من الأمصار. ومصر لا تجرى في الكلام ، فقيل : أيّ مصر؟ فقال : الأرض المقدسة التي كتب الله لهم. وقرأ قول الله جلّ ثناؤه : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)(٢).
وقال آخرون : هي مصر التي كان فيها فرعون. ذكر من قال ذلك :
[٢ / ٢٢١٥] روى الربيع ، عن أبي العالية في قوله : (اهْبِطُوا مِصْراً) قال : يعني به مصر فرعون.
قال أبو جعفر : ومن حجّة من قال : إنّ الله جلّ ثناؤه إنّما عنى بقوله : (اهْبِطُوا مِصْراً) مصرا من الأمصار دون مصر فرعون بعينها ، أنّ الله جعل أرض الشام لبني إسرائيل مساكن بعد أن أخرجهم من مصر ، وإنّما ابتلاهم بالتيه بامتناعهم على موسى في حرب الجبابرة إذ قال لهم : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ. قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) إلى قوله : (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ)(٣). فحرّم الله جلّ وعزّ على قائل ذلك فيما ذكر لنا دخولها حتّى هلكوا في التيه وابتلاهم بالتّيهان في الأرض أربعين سنة ، ثمّ أهبط ذرّيتهم الشام ، فأسكنهم الأرض المقدسة ، وجعل هلاك الجبابرة على
__________________
(١) الإنسان ٧٦ : ١٥ و ١٦ ، بإثبات الألف في كليهما.
(٢) المائدة ٥ : ٢١.
(٣) المائدة ٥ : ٢١ ـ ٢٤.