أمّا الصابئون فهم طائفة من العرب ساورهم الشكّ فيما كان عليه قومهم من عبادة الأصنام ، فصبوا عن دين قومهم ، ومالوا إلى الحنيفيّة الأولى ، ملّة إبراهيم ، دين التوحيد والخلق الكريم ، واعتزلوا عبادة قومهم ، ولكن من غير أن تكون لهم دعوة فيهم ، فقال عنهم المشركون : إنّهم صبأوا أي مالوا عن دين آبائهم ، وسجّلهم التاريخ باسم الحنفاء.
منهم : ورقة بن نوفل وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل.
قال ابن إسحاق : واجتمعت قريش يوما في عيد لهم عند صنم كانوا يعظّمونه وينحرون له ويعكفون لديه ويديرون به ، فخلص منهم أربعة نفر ، وقال بعضهم لبعض : والله ما قومكم على شيء! لقد اخطأوا دين أبيهم إبراهيم ، ما حجر نطيف به ، لا يسمع ولا يبصر ولا يضرّ ولا ينفع؟! يا قوم التمسوا لأنفسكم ، فتفرّقوا في البلدان يلتمسون الحنيفيّة دين إبراهيم!
فأمّا ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانيّة.
وأمّا عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الالتباس.
وأمّا عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم فتنصّر وحسنت منزلته لديه.
وأمّا زيد بن عمرو فوقف ولم يدخل في يهوديّة ولا نصرانيّة وفارق دين قومه! فاعتزل الأوثان وامتنع من أكل الميتة والدّم والذبائح الّتي تذبح على الأوثان ونهى عن قتل الموؤودة وقابل هذه الشنعة بجرأة وشهامة.
وهكذا رافقه في هذا الموقف العصيب صعصعة بن معاوية جدّ الفرزدق رحمهالله وفي ذلك يقول الفرزدق :
ومنّا الذي منع الوائدا |
|
ت ، وأحيا الوئيد ، فلم يوأد |
ولزيد بن عمرو شعر طويل في فراق الوثنيّة يقول فيه :
أربّا واحدا ، أم ألف ربّ |
|
أدين إذا تقسّمت الأمور |
عزلت اللات والعزّى جميعا |
|
كذلك يفعل الجلد الصبور |
فلا العزّى أدين ولا ابنتيها |
|
ولا صنمي بني عمرو أزور |
ولا هبلا أدين ، وكان ربّا |
|
لنا في الدهر إذ حلمي يسير |