مضمونه ـ : إنّ للجنّة بابا يدخل منه الصلحاء من سائر الناس ، إذا لم يجابهوا الحقّ ولم يعاندوا أئمّة الدين ، في مسيرتهم في الحياة (١).
نعم قد يتوهم التنافي مع آيات خصّت نعيم الآخرة بأهل التقوى واليقين وأن لا حظّ لمن ابتغى الدنيا وآثرها على الآخرة.
(فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)(٢).
(وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)(٣).
قال تعالى : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا)(٤).
قلت : هذا صحيح ، غير أنّ التقوى التي هي شرط التلذّذ بنعيم الآخرة ، مراد بها : التعهّد الإنساني النبيل في هذه الحياة .. فمن سار على منهج الإنسانيّة والتزم بما فرضت عليه من تعهّدات تجاه بني جلدته ووفّى حقوقهم ولم يحد عن جادّة الصواب التي يرشد إليها العقل الرشيد. والتي توارثها بنو الإنسان منذ عهدهم بالنبوّات والشرائع الإلهية طول التاريخ ، فالملتزم بها ملتزم بمكارم الأخلاق ومتعهّد بتعاليم السماء .. وكان ممّن دعى إلى الفضيلة وقد أحسن عملا.
نعم من كان باع حظّه بالثمن الأبخس وعاكس طريق الهدى فهذا ممّن آثر الحياة الدنيا وماله في الآخرة من خلاق.
(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ)(٥).
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(٦).
__________________
(١) روى الصدوق في باب الثمانية من كتابه الخصال : أنّ عليّا عليهالسلام قال : «إنّ للجنّة ثمانية أبواب : باب يدخل منه النبيّون والصدّيقون. وباب يدخل منه الشهداء والصالحون. وخمسة أبواب يدخل منها الموالون العارفون. والباب الثامن يدخل منه سائر المسلمين ممّن شهد بالتوحيد ولم يبغض أولياء الله الأطيبين». ومنه يظهر شموله لسائر الناس من أصحاب الملل والنحل ممّن شهد بالوحدانيّة ـ التي هي فطرة الناس جميعا ـ ولم يقم في وجه أئمّة الدين بالمجاحدة والمنابذة الرذيلة. راجع : الخصال ٦ : ٤٠٨ ، أبواب الثمانية والبحار ٨ : ٣٩ / ١٩. و ١٢١ / ١٢ ، و ٦٩ : ١٥٩ / ٥.
(٢) البقرة ٢ : ٢٠٠.
(٣) البقرة ٢ : ١٠٢.
(٤) مريم ١٩ : ٦٣.
(٥) آل عمران ٣ : ٧٧.
(٦) القصص ٢٨ : ٨٣.