[٢ / ٢٢٨٠] وذكر أبو جعفر في سبب نزول الآية : أنّها نزلت في أصحاب سلمان الفارسي ، وكان سلمان من جندي سابور ، وكان من أشرافهم ، وكان ابن الملك صديقا له مؤاخيا ، لا يقضي واحد منهم أمرا دون صاحبه ، وكانا يركبان إلى الصيد جميعا. فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما بيت من عباء (١) ، فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه وهو يبكي ، فسألاه ما هذا؟ فقال : الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما ، فإن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتّى أعلّمكما ، فنزلا إليه ، فقال لهما : هذا كتاب جاء من عند الله ، أمر فيه بطاعته ونهى عن معصيته ، فيه : أن لا تزني ، ولا تسرق ، ولا تأخذ أموال الناس بالباطل. فقصّ عليهما ما فيه ، وهو الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى. فوقع في قلوبهما وتابعاه فأسلما ، وقال لهما : إنّ ذبيحة قومكما عليكما حرام ، فلم يزالا معه كذلك يتعلّمان منه ، حتّى كان عيد للملك ، فجعل طعاما ، ثمّ جمع الناس والأشراف ، وأرسل إلى ابن الملك فدعاه إلى صنيعه ليأكل مع الناس ، فأبى الفتى وقال : إنّي عنك مشغول ، فكل أنت وأصحابك ، فلمّا أكثر عليه من الرسل ، أخبرهم أنّه لا يأكل من طعامهم ، فبعث الملك إلى ابنه ، فدعاه وقال : ما أمرك هذا؟ قال : إنّا لا نأكل من ذبائحكم ، إنّكم كفّار ليس تحلّ ذبائحكم ، فقال له الملك : من أمرك بهذا؟ فأخبره أنّ الراهب أمره بذلك ، فدعا الراهب فقال : ماذا يقول ابني؟ قال : صدق ابنك ، قال له : لو لا أنّ الدم فينا عظيم لقتلتك ، ولكن اخرج من أرضنا! فأجّله أجلا. فقال سلمان : فقمنا نبكي عليه ، فقال لهما : إن كنتما صادقين ، فإنّا في بيعة بالموصل مع ستّين رجلا نعبد الله فيها ، فأتونا فيها. فخرج الراهب ، وبقي سلمان وابن الملك ؛ فجعل يقول لابن الملك : انطلق بنا ، وابن الملك يقول : نعم ، وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز. فلمّا أبطأ على سلمان ، خرج سلمان حتّى أتاهم ، فنزل على صاحبه وهو ربّ البيعة ، وكان أهل تلك البيعة من أفضل الرهبان ، فكان سلمان معهم يجتهد في العبادة ، ويتعب نفسه ، فقال له الشيخ : إنّك غلام حدث تتكلّف من العبادة ما لا تطيق ، وأنا خائف أن تفتر وتعجز ، فارفق بنفسك وخفّف عليها! فقال له سلمان : أرأيت الذي تأمرني به أهو أفضل أو الذي أصنع؟ قال : بل الذي تصنع؟ قال : فخلّ عنّي.
__________________
(١) العباء : ضرب من الأكسية فيه خطوط سود كبار ، وغالبا يكسى بها أخبية البدو في الصحراء.