أسفارا (١).
[٢ / ٢٣٢٦] وعنه أيضا قال : مسخت قلوبهم ، ولم يمسخوا قردة ، وإنّما هو مثل ضربه الله لهم كمثل الحمار يحمل أسفارا.
قال أبو جعفر : وهذا الذي قاله مجاهد مخالف لظاهر ما دلّ عليه كتاب الله ، وذلك أنّ الله أخبر في كتابه أنّه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ، كما أخبر عنهم أنّهم قالوا لنبيّهم : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)(٢) وأنّ الله تعالى أصعقهم عند مسألتهم ذلك وأنّهم عبدوا العجل ، فجعل توبتهم قتل أنفسهم ، وأنّهم أمروا بدخول الأرض المقدّسة ، فقالوا لنبيّهم : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ)(٣) فابتلاهم بالتيه. فسواء قال قائل : هم لم يمسخهم قردة ، وقد أخبر ـ جلّ ذكره ـ أنّه جعل منهم قردة وخنازير ، وآخر قال : لم يكن شيء ممّا أخبر الله عن بني إسرائيل أنّه كان منهم من الخلاف على أنبيائهم والعقوبات والأنكال التي أحلّها الله بهم. ومن أنكر شيئا من ذلك وأقرّ بآخر منه ، سئل البرهان على قوله وعورض فيما أنكر من ذلك بما أقرّ به ، ثمّ يسأل الفرق من خبر مستفيض أو أثر صحيح. هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحجّة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه ، وكفى دليلا على فساد قول إجماعها على تخطئته.
وقوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) أي صيروا كذلك. والخاسىء : المبعد المطرود كما يخسأ الكلب ، يقال منه : خسأته أخسؤه خسأ وخسوءا ، وهو يخسأ خسوءا ، ويقال خسأته فخسأ وانخسأ ، ومنه قول الراجز :
كالكلب إن قلت له اخسأ انخسأ (٤)
يعني إن طردته انطرد ذليلا صاغرا. فكذلك معنى قوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) أي مبعدين من الخير أذلّاء صغراء.
[٢ / ٢٣٢٧] روى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) قال : صاغرين.
[٢ / ٢٣٢٨] وروى عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن قتادة قال : صاغرين.
__________________
(١) تضمين للآية ٥ : من سورة الجمعة.
(٢) النساء ٤ : ١٥٣.
(٣) المائدة ٥ : ٢٤.
(٤) روايته في اللسان (مادة خسأ): «إن قيل له».