فالشفاعة لا تكون إلّا حيث يرى العبد من عمله قاصرا فيرجو إكماله بتلك المقارنة المباركة. الأمر الّذي حثّ عليه الكتاب والسنّة الشريفة ، بتأكيد بالغ.
والسرّ في هذا الحثّ البليغ ، أنّ العبد بما أنّه محدود أرضيّ ، قد يقصر أو يتقاصر في تجميع هممه نحو بلوغ الكمال عبر الآفات ، فكان من مقام لطفه تعالى أن يمدّه بمساعدات تأخذ بيده وتجعله بحيث يتسارع نحو مطلوبه وبلوغ إربه.
فهناك أزمان شريفة ـ كالأسحار ـ تجعل من الدعاء والاستغفار في أوقاتها أسرع إجابة وأقرب للقبول. (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(١).
وهكذا الأمكنة الشريفة تساعد على سرعة الإجابة والقبول ، كالمساجد وفناء الكعبة وكلّ مشعر من مشاعر الله ، جاء الدعاء فيها والإنابة والاستغفار مندوبا إليه في الشريعة المقدّسة. (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ)(٢).
وإذا كانت الأزمنة الشريفة والأمكنة الشريفة ذوات أثر في تسريع الإجابة وبلوغ الآمال في الدعاء والإنابة ، فأين أنت من إنسان شريف ـ وهو أشرف مخلوق ـ أن يكون ردف دعائه لدعاء العبد المستنيب ذا أثر في الإجابة والقبول؟!
قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(٣).
وهذه هي الشفاعة تجعل من ردف الدعاء بزمان شريف أو مكان شريف أو إنسان شريف ، أسرع إجابة وأقرب للقبول.
تلك هي الشفاعة في هذه الحياة الدنيا ، وعلى غرارها الشفاعة في الآخرة ، تجعل من شفاعة الرسول وسائر الأولياء المقرّبين ، ما يوجب كمال العبد فيما قدّمه من أعمال وحسنات ، قد تقصر عن درجة القبول لو لا شفاعة الشافعين.
__________________
(١) الذاريات ٥١ : ١٨.
(٢) البقرة ٢ : ١٩٨.
(٣) النساء ٤ : ٦٤.