عجوز عندها يتامى ، وهي القيّمة عليهم ، فلمّا علمت أنّهم لا يزكو لهم غيرها أضعفت عليهم الثمن ، فأتوا موسى ، فأخبروه أنّهم لم يجدوا هذا النعت إلّا عند فلانة ، وأنّها سألتهم أضعاف ثمنها ، فقال لهم موسى : إنّ الله قد كان خفّف عليكم ، فشدّدتم على أنفسكم ، فاعطوها رضاها وحكمها! ففعلوا واشتروها ، فذبحوها. فأمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل ، ففعلوا ، فرجع إليه روحه ، فسمّى لهم قاتله ، ثمّ عاد ميتا كما كان. فأخذوا قاتله وهو الّذي كان أتى موسى فشكى إليه ، فقتله الله على أسوء عمله.
[٢ / ٢٣٧١] وروى أسباط ، عن السدّي قال : كان رجل من بني إسرائيل مكثرا من المال ، وكانت له ابنة وكان له ابن أخ محتاج. فخطب إليه ابن أخيه ابنته فأبى أن يزوّجه إيّاها ، فغضب الفتى وقال : والله لأقتلنّ عمّي ولآخذنّ ماله ولأنكحنّ ابنته ولآكلنّ ديته! فأتاه الفتى وقد قدم تجّار في بعض أسباط بني إسرائيل ، فقال : يا عمّ انطلق معي فخذ لي من تجارة هؤلاء القوم لعلّي أصيب منها ، فإنّهم إذا رأوك معي أعطوني. فخرج العمّ مع الفتى ليلا ، فلمّا بلغ الشيخ ذلك السبط قتله الفتى ثمّ رجع إلى أهله. فلمّا أصبح جاء كأنّه يطلب عمّه ، كأنّه لا يدري أين هو فلم يجده ، فانطلق نحوه فإذا هو بذلك السبط مجتمعين عليه ، فأخذهم وقال : قتلتم عمّي فأدّوا إليّ ديته! وجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه وينادي وا عمّاه! فرفعهم إلى موسى ، فقضى عليهم بالدية ، فقالوا له : يا رسول الله : ادع لنا حتّى يتبيّن له من صاحبه فيؤخذ صاحب الجريمة ، فو الله إنّ ديته علينا لهيّنة ، ولكنّا نستحيي أن نعير به. فذلك حين يقول الله ـ جلّ ثناؤة ـ : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) فقال لهم موسى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) قالوا : نسألك عن القتيل وعمّن قتله وتقول اذبحوا بقرة ، أتهزأ بنا؟ قال موسى : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ).
[٢ / ٢٣٧٢] وقال : قال ابن عبّاس : فلو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ، ولكنّهم شدّدوا وتعنّتوا موسى ، فشدّد الله عليهم ؛ فقالوا : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) والفارض : الهرمة التي لا تلد ، والبكر : التي لم تلد إلّا ولدا واحدا ، والعوان :
النصف التي بين ذلك ، التي قد ولدت وولد ولدها ـ فافعلوا ما تؤمرون. (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) قال : تعجب الناظرين : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ