فقال لهم موسى عليهالسلام : (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي من المستهزئين بالمؤمنين. فلمّا علم القوم أنّ ذبح البقرة عزم من الله عزوجل سألوه الوصف :
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) ولو أنّهم عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنّهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم وإنّما كان تشديدهم تقديرا من الله ـ عزوجل ـ وحكمة. وكان السبب في ذلك على ما :
[٢ / ٢٤١٢] ذكره السدّيّ وغيره : أنّ رجلا في بني إسرائيل كان بارّا بأبيه وبلغ من برّه به أنّ رجلا أتاه بلؤلؤة فابتاعها بخمسين ألفا وكان فيها فضل. فقال للبائع : أبي نائم ومفتاح الصندوق تحت رأسه فأمهلني حتّى يستيقظ وأعطيك الثمن. قال : فأيقظ أباك واعطني المال. قال : ما كنت لأفعل ولكن أزيدك عشرة آلاف فانتظرني حتّى ينتبه أبي.
فقال الرّجل : فأنا أحطّ عنك عشرة آلاف إن أيقظت أباك وعجّلت النقد. قال : وأنا أزيدك عشرين ألفا إن انتظرت انتباه أبي. ففعل ولم يوقظ الرجل أباه فأعقبه برّه بأبيه أن جعل تلك البقرة عنده وأمر بني إسرائيل أن يذبحوا تلك البقرة بعينها.
[٢ / ٢٤١٣] وقال ابن عبّاس ووهب وغيرهما : كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل وكان له عجل فأتى بالعجل إلى غيضة (١) وقال : اللهمّ إني استودعك هذه العجلة لابني حتّى يكبر. مات الرّجل فسيّبت العجلة (٢) في الغيضة وصارت عوانا ، وكانت تهرب من كلّ من رامها. فلمّا كبر الابن كان بارّا بوالدته وكان يقسّم اللّيلة ثلاثة أثلاث : يصلّي ثلثا وينام ثلثا ويجلس عند رأس أمّه ثلثا فإذا أصبح انطلق واحتطب على ظهره ويأتي به السّوق فيبيعه بما شاء الله ، ثمّ يتصدّق بثلثه ويأكل ثلثه ويعطي والدته ثلثا ، وقالت له أمّه يوما : إنّ أباك ورّثك عجلة وذهب بها إلى غيضة كذا واستودعها الله ـ عزوجل ـ فانطلق إليها فتدع إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق بأن يردّها عليك ، وإنّ من علامتها أنّك إذا نظرت إليها يخيّل إليك أنّ شعاع الشمس يخرج من جلدها ، وكانت تسمّى المذهّبة لحسنها وصفرتها وصفاء لونها. فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى ، وقال : أعزم عليك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، فأقبلت تسعى حتّى قامت بين يديه ، فقبض على عنقها
__________________
(١) الغيضة : مجتمع الشجر في مغيض الماء.
(٢) سيّبت : تركت وأهملت.