وقادها ، فتكلّمت البقرة بإذن الله وقالت : أيّها الفتى البارّ بوالدته اركبني فإنّ ذلك أهون عليك! فقال الفتى : إنّ أمّي لم تأمرني بذلك ولكن قالت : خذها بعنقها. فقالت البقرة : بإله إسرائيل لو ركبتني ما كنت تقدر عليّ أبدا ، فانطلق فإنّك لو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله وينطلق معك لفعل ، لبرّك بوالدتك.
وسار الفتى فاستقبله عدوّ الله إبليس في صورة راع فقال : أيّها الفتى إنّي رجل من رعاة البقر اشتقت إلى أهلي فأخذت ثورا من ثيراني فحملت عليه زادي ومتاعي حتّى إذا بلغت شطر الطّريق ذهبت لأقضي حاجتي ذهب الثور صعدا وسط الجبل وما قدرت عليه وإنّي أخشى على نفسي الهلاك ، فإن رأيت أن تحملني على بقرتك وتنجيني من الموت وأعطيك أجرها بقرتين مثل بقرتك ، فلم يفعل الفتى وقال : اذهب فتوكّل على الله ، فلو علم الله منك اليقين لبلغك بلا زاد ولا راحلة ، فقال إبليس : فإن شئت فبعنيها بحكمك ، وإن شئت فاحملني عليها وأعطيك عشرة مثلها ، فقال الفتى : إنّ أمّي لم تأمرني بهذا ، فبينا الفتى كذلك إذ طار طائر من بين يدي البقرة ونفرت البقرة هاربة في الفلاة وغاب الرّاعي ، فدعاها الفتى باسم إله إبراهيم فرجعت إليه البقرة فقالت : أيّها الفتى البارّ بوالدته ، ألم تر إلى الطائر الذي طار ، إنّه إبليس عدوّ الله اختلسني ، أما إنّه لو ركبني لما قدرت عليّ أبدا فلمّا دعوت إله إبراهيم جاء ملك فانتزعني من يد إبليس وردّني إليك لبرّك بوالدتك وطاعتك لها.
فجاء بها الفتى إلى أمّه ، فقالت له : إنّك فقير لا مال لك ويشقّ عليك الاحتطاب بالنّهار والقيام باللّيل فانطلق فبع هذه البقرة وخذ ثمنها. قال : بكم أبيعها؟
قالت : بثلاثة دنانير ولا تبعها بغير رضاي ومشورتي وكانت ثمن البقرة في ذلك الوقت ، فانطلق بها الفتى إلى السّوق فبعث الله ملكا إنسانا خلقه بقدرته ليخبر الفتى كيف برّه بوالدته وكان الله به خبيرا فقال له الملك : بكم تبيع هذه البقرة؟ قال : بثلاثة دنانير وأشترط عليك رضا والدتي. فقال الملك : ستّة دنانير ولا تستأمر أمّك.
فقال الفتى : لو أعطيتني وزنها ذهبا لم آخذه إلّا برضا أمّي ، فردّها إلى أمّه وأخبرها بالثّمن فقالت : ارجع فبعها ستّة على رضاي فانطلق الفتى بالبقرة إلى السوق وأتى الملك وقال : استأمرت والدتك؟ فقال الفتى : إنّها أمرتني أن لا أنقصها من ستّة على أن أستأمرها. قال الملك : فإنني أعطيك