وقت العمل ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى البداء!
وذهب آخرون إلى أنّ التكليف واحد ، وأنّ الأوصاف المتأخّرة هي للبقرة المتقدّمة ، وإنّما تأخّر البيان!
قال : وهو مذهب المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ واستدلّ بهذه الآية على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة. قال : إنّه تعالى لمّا كلّفهم ذبح بقرة قالوا لموسى عليهالسلام : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ). فلا يخلو قولهم «ما هي» من أن يكون كناية عن البقرة المتقدّم ذكرها ، أو عن التي أمروا بها ثانيا! والظاهر من قولهم : «ما هي» يقتضي أن يكون السؤال عن صفة البقرة المأمور بذبحها ، لأنّه لا علم لهم بتكليف ذبح بقرة أخرى فيستفهموا عنها ، وإذا صحّ ذلك فليس يخلو قوله : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) من أن يكون الهاء فيه كناية عن البقرة الأولى أو عن غيرها ، وليس يجوز أن يكون كناية عن بقرة ثانية ، لأنّ الظاهر يقتضي أن تكون الكناية متعلّقة بما تضمّنه سؤالهم.
ولأنّه لو لم يكن الأمر على ذلك لم يكن جوابا لهم. وقول القائل في جواب من سأله ما كذا وكذا : إنّه بالصفة الفلانيّة ، صريح في أنّ الهاء كناية عمّا وقع السؤال عنه. هذا مع قولهم : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) فإنّهم لم يقولوا ذلك إلّا وقد اعتقدوا أنّ خطابهم مجمل غير مبيّن ، ولو كان الأمر على ما ذهب إليه القوم ، فلم لم يقل لهم : وأيّ تشابه عليكم؟ وإنّما أمرتم في الابتداء بذبح بقرة أيّة بقرة كانت. وفي الثاني بما يختصّ بالسّنّ المخصوص. وفي الثالث بما يختصّ باللون المخصوص من أيّ البقر كان.
قال المرتضى : وأمّا قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) فالظاهر أنّ ذمّهم مصروف إلى تقصيرهم أو تأخيرهم امتثال الأمر بعد البيان التامّ ، وهو غير مقتض ذمّهم على ترك المبادرة في الأوّل إلى ذبح بقرة. فلا دلالة في الآية على ذلك (١).
__________________
(١) مجمع البيان ١ : ١٣٦. وراجع : الأمالي للمرتضى ٣ : ١٢٧. والبحث مذيّل لخّصه الطبرسي في التفسير. وأورده المجلسي في البحار ١٣ : ٢٦٣ ـ ٢٦٥. وله تذييل عليه فراجع.