الكريمة ، أنّ التكليف في واقعه كان مطلقا وكان يكفيهم أن يذبحوا بقرة أيّة بقرة كانت ، حيث الغرض أن يضربوا ببعضها القتيل ، الأمر الذي كان لا يخصّ بقرة معيّنة.
[٢ / ٢٤٢٠] وبذلك وردت الرواية عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام ـ على ما رواه العيّاشي ـ قال : «إنّ الله أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة ، وإنّما كانوا يحتاجون إلى ذنبها» (١).
لكنّهم لسوء حظّهم أخذوا في المتحّل والتعمّل ، فعوقبوا بشدّة التكليف من غير أن يكون منوطا بحكمة إحياء القتيل. نعم ربما هناك حكمة أخرى كانت خفيّة هو إثراء مؤمن في سبيل طاعة الله ، على ما ورد في بعض الروايات.
***
وللشيخ أبي علي الطبرسي هنا تحقيق لطيف يدور حول محوريّة مباني علم الأصول.
قال : ونذكر هنا فصلا موجزا ينجذب إلى الكلام في أصول الفقه. قال : اختلف العلماء في هذه الآيات ، فمنهم من ذهب ، إلى أنّ التكليف فيها متغاير ، وأنّهم لمّا قيل لهم : اذبحوا بقرة ، لم يكن المراد منهم إلّا ذبح أيّ بقرة شاؤوا من غير تعيين بصفة. ولو أنّهم ذبحوا أيّ بقرة اتّفقت لهم كانوا قد امتثلوا الأمر ، فلمّا لم يفعلوا كانت المصلحة أن يشدّد عليهم التكليف. ولمّا راجعوا المرّة الثانية تغيّرت مصلحتهم إلى تكليف ثالث.
ثمّ اختلف هؤلاء من وجه آخر ، فمنهم من قال في التكليف الأخير : إنّه يجب أن يكون مستوفيا لكلّ صفة تقدّمت.
فعلى هذا القول يكون التكليف الثاني والثالث ضمّ تكليف إلى تكليف ، زيادة في التشديد عليهم ، لما فيه من المصلحة.
ومنهم من قال : إنّه يجب أن يكون بالصفة الأخيرة فقط دون ما تقدّم.
وعلى هذا القول يكون التكليف الثاني نسخا للأوّل ، والتكليف الثالث نسخا للثاني. وقد جوّز نسخ الشيء قبل الفعل ، لأنّ المصلحة يجوز أن تتغيّر بعد فوات وقته. وإنّما لا يجوز نسخ الشيء قبل
__________________
(١) العيّاشي ١ : ٦٥ / ٥٨.