وهنا يتوجّه سؤال : كيف يزداد قيد تكليف ورد مطلقا وكان يكفي امتثاله لحينه ، الأمر الذي يؤذن بوجود كمال المصلحة حينذاك إذن فكيف تتغيّر المصلحة بسبب مراودة جاهل ، لا رابط بينه وبين الحكم والمصالح الواقعيّة ، والتي يراعيها الشارع الحكيم؟!
ولأبي جعفر الطبري (١) هنا بحث عريض في ضوء مباني علم الأصول في مباحث العامّ والخاصّ ، حيث يرد تكليف متعلّق بموضوع عامّ مثل : اعتق رقبة. وبعد فترة طويلة وربما عشرات السنين يأتي التقييد بالمؤمنة وقد كان المكلّفون في الشريعة يأخذون بصيغة العام أو المطلق قبل مجيء الخاص أو القيد وكان يجزيهم العمل به على إطلاقه أمّا وبعد ورود الخاصّ أو التقييد ، لا يجزي إلّا مع القيد؟
ومن ثمّ قال بعض الأصوليّين : إنّه بالنسخ أشبه منه إلى التخصيص أو التقييد! لأنّ النسخ ، رفع حكم سابق بتشريع حكم لا حق ، وهنا قد ارتفع الحكم العام بتشريع التخصيص.
أمّا التخصيص فهو شرح لواقع المراد ، أي أنّ دليل الخاصّ يكشف عن كون المراد من العام ـ من الأوّل ـ هو هذا الخاصّ لا العموم البادي حينذاك.
ولازم ذلك أنّ التكليف من أوّل أمره كان متعلّقا بالعام المخصّص ، فالآخذ بالعام من غير مراعاة التخصيص ، لم يأت بمراد الشارع فلم يكن ممتثلا للتكليف الواقعي فلا يجزيه ما أتى به وعليه التدارك بالإعادة أو القضاء!!
غير أنّ الفقهاء ملتزمون بالاجتزاء وكفاية ما أتى به حينذاك ، وقد امتثل تكليفه وإن كان بعد ورود الخاصّ يجب العمل به بالذات ولازم ذلك هو القول بالنسخ ، لوجود خواصّه.
نعم ذكر المتأخّرون : أنّ الحكم العامّ الصادر أوّلا على عمومه ، إنّما هو حكم ظاهريّ ولعلّه تسهيلا على المكلّفين ، وإن لم يكن مرادا به العموم حينذاك ، ولكنّهم رخّصوا في الأخذ به لحكمة التسهيل ثمّ بعد ذلك يأتي البيان الشارح للمقصود ، والمبيّن لصلب التكليف في قالبه الخاصّ.
قلت : والأمر هنا يختلف عن ذاك المبحث الأصوليّ العريق إذ يبدو من لحن الخطاب في الآية
__________________
(١) الطبري ١ : ٤٩٤ ـ ٤٩٦.