وأشنع من ذلك تعليلهم لتصرّفاتهم تلك الشانئة ، بأنّها من أثر صمود قلوبهم فلا ينفذ فيها عظة ولا ينفعها تذكار ، وهم مجبولون على ذلك وبذلك حاولوا سلب المسؤوليّة عن أنفسهم بأعذار هي أشنع من الفعال.
(وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) مغلّفة مغلّقه لا تنفذ فيها دعوة ولا تنفعها نصيحة ، ولكنّهم كذبوا في وقاحة ولهجوا في شراسة (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) أبعدهم الله بسبب لجاجهم وعنادهم مع الحقّ الصريح ، فهم أغلقوا على أنفسهم أبواب الفهم وإدراك الحقيقة الناصعة ومن ثمّ ـ (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) أي قليل منهم يؤمنون ممّن راجعوا أنفسهم وفتحوا مغاليق قلوبهم ، الأمر الذي قد يتّفق لقليل منهم.
وإليك أهمّ ما روي بهذا الشأن :
[٢ / ٢٥٧٨] أخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحّاك عن ابن عبّاس في قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) قال : يعني التوراة جملة واحدة مفصّلة محكمة (وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) يعني : رسولا يدعى إشموئيل ، ورسولا يدعى منشائيل ، ورسولا يدعى شعيا ، ورسولا يدعى حزقيل ، ورسولا يدعى أرميا بن حلقيا وهو الخضر ، ورسولا يدعى داوود بن إيشا وهو أبو سليمان ، ورسولا يدعى المسيح عيسى بن مريم ، فهؤلاء الرسل ابتعثهم الله وانتخبهم للأمّة بعد موسى بن عمران ، وأخذ عليهم ميثاقا غليظا أن يؤدّوا إلى أممهم صفة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وصفة أمّته (١).
[٢ / ٢٥٧٩] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) : يقول : وأعطينا عيسى ابن مريم العجائب التي كان يصنعها من خلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله (٢).
[٢ / ٢٥٨٠] وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : هي الآيات التي وضعت على يده من إحياء الموتى ، وخلقه من الطين كهيئة الطير ، وإبراء الأسقام ، والخبر بكثير من الغيوب ، وما ردّ عليهم من التوراة مع الإنجيل الذي أحدث الله إليه (٣).
__________________
(١) ابن عساكر ٨ : ٣٣ ، فصل ٥٨٩ (أرميابن حلقيا) ؛ الدرّ ١ : ٢١٢ ـ ٢١٣.
(٢) تفسير مقاتل ١ : ١٢١.
(٣) الدرّ ١ : ٢١٣ ؛ الطبري ١ : ٥٦٨ / ١٢٢٤ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٦٨ / ٨٨١.