فراسة ينظر بنور الله على قدر إيمانه ومبلغ استبصاره وعلمه ، وقد جمع الله في الأئمّة ـ من أهل البيت ـ ما فرّقه في جميع المؤمنين ثمّ تلا قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)(١).
قال : فأوّل المتوسّمين هو رسول الله ثمّ أمير المؤمنين وولده الأئمّة من بعده» (٢).
والأحاديث عن المعصومين بشأن عمود النور ، يجعل الله بينه وبينهم ، ينظر به إليهم وينظرون به إليه كثيرة ومتضافرة وهو كناية عن تلك البصيرة الوقّادة الّتي ينعم بها الخلّص من عباده الصالحين. وتتّسع آفاقها حسب مراتب الكمال ومبلغ الإيمان ، حتّى تبلغ أقصاها في الكمّلين.
[٢ / ٢٦٢١] جاء في حديث صالح بن سهل مع الإمام أبي عبد الله الصادق عليهالسلام : «... إنّ الله جعل بينه وبين الإمام عمودا من نور ، ينظر الله به إلى الإمام ، وينظر الإمام به إليه. فإذا أراد الإمام أن يعلم شيئا نظر في ذلك النور فعرفه» (٣).
قال العلّامة المجلسى : نظر الله تعالى إليه ، كناية عن إفاضاته تعالى عليه. ونظره إليه تعالى ، كناية عن غاية عرفانه (٤).
[٢ / ٢٦٢٢] ويتأيّد ذلك بما رواه الصفّار بالإسناد إلى إسحاق الحريري قال : كنت عند الإمام أبي عبد الله عليهالسلام فسمعته يقول : «إنّ لله عمودا من نور ، حجبه الله عن سائر الخلق ، طرفه عند الله وطرفه الآخر في أذن الإمام ، فإذا أراد الله شيئا أوحاه في أذن الإمام» (٥).
ولا غرابة فإنّ المؤمن محدّث أي ملهم من عند الله وفي رعايته تعالى ، فضلا عن أولئك الّذين بلغوا مرتبة الشهود ، ولمسوا حقائق الأشياء في قرب الحضور.
وقد مرّ عليك كلام الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام فيما حكاه من قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم له : «... إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلّا أنّك لست بنبيّ» (٦).
فالإمام المعصوم ، حيث بلغ أعلا مراتب الإيمان وصفى قلبه في أعلا مراتب الجلاء فقد بلغ
__________________
(١) الحجر ١٥ : ٧٥. والتوسّم : الفطنة والفراسة والذكاء البالغ. قال الراغب : وهو الذي سمّاه قوم الزكانة. وهي الفطنة والفراسة. والزكانة : إصابة الظنّ وصدقه.
(٢) العيون : ٢٠٠ / ١.
(٣) البصائر : ٤٤٠ / ٢ ، باب ١٢.
(٤) البحار ٢٦ : ١٣٥ / ١٠.
(٥) البصائر : ٤٣٩ / ١ ، باب ١٢. والإيحاء هنا : نفث في القلوب. يقال : نفث الله الشيء في قلبه أي ألقاه. ونفث في روعي أو قلبي أي ألهمته.
(٦) نهج البلاغة ٢ : ١٥٨ ، الخطبة القاصعة : ١٩٢.