وإنّ منّا لمن ينقر في قلبه كيت وكيت. وإنّ لمن يسمع كوقع السلسلة تقع في الطست» (١).
هذا بيان لأنواع التبصّر الروحي الحاصل لخلّص عباد الله المقرّبين ، من أنبياء وأوصياء وصلحاء ... فمنهم من يعاين روح القدس ماثلا لديه ، ومنهم من ينكت في قلبه ويلهم الحقائق الملكوتيّة فيحسّ بها من داخل ضميره ، ومنهم من يستمع إلى الوحي ينزل عليه وله وقع كوقع السلسلة تصيب الطست.
ومنهم من يرى في المنام الرؤيا الصادقة ، كما في رؤيا إبراهيم عليهالسلام وللعلّامة المجلسي هنا بيان لطيف بشأن الأرواح الخمسة الواردة في هذه الروايات ولا سيّما روح القدس. قال : ولعلّ المراد بها هي مراتب النفس الكماليّة ، تبتدىء بصفات جسمانيّة ، وتتصاعد درجات لتبلغ مرتبة الشفّافيّة الملكوتيّة ، المعبّر عنها بروح القدس ، هي روحاء واسعة الأرجاء ، طيّبة زكيّة نقيّة ، تتجلّى فيها قدسيّة الحقائق المتعالية ، والمهيمنة على آفاق الوجود والمصطلح عنها بعوالم الكشف والشهود (٢).
[٢ / ٢٦١٨] قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام : «... وما برح لله ـ عزّت آلاؤه ـ في البرهة بعد البرهة ، وفي أزمان الفترات ، عباد ناجاهم في فكرهم ، وكلّمهم في ذات عقولهم ، فاستصبحوا بنور يقظة في الأبصار والأسماع والأفئدة ... حتّى كأنّهم يرون مالا يرى الناس ، ويسمعون مالا يسمعون ... فلو مثّلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة (٣) ومجالسهم المشهودة ... لرأيت أعلام هدى ومصابيح دجى ، قد حفّت بهم الملائكة ، وتنزلّت عليهم السكينة ، وفتحت لهم أبواب السماء» (٤).
وهذا هو المعبّر عنه في كثير من الروايات بعمود النور ، يرون فيه ما غاب وحضر.
[٢ / ٢٦١٩] كما جاء عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام : «إنّ الله ـ عزوجل ـ أيّدنا بروح منه مقدّسة مطهّرة ، ليست بملك كانت مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهي مع الأئمّة منّا ، تسدّدهم وتوفّقهم ، وهو عمود من نور بيننا وبين الله ـ عزوجل ـ» (٥).
[٢ / ٢٦٢٠] وسأل المأمون العبّاسى الإمام الرضا عليهالسلام عن علمهم بما في قلوب الناس؟ فقال : أما بلغك قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اتّقوا فراسة المؤمن ، فإنّه ينظر بنور الله»!! قال : «وما من مؤمن إلّا وله
__________________
(١) البحار ٢٥ : ٥٠ ـ ٥١ / ١١ عن البصائر.
(٢) راجع : بحار الأنوار ٢٥ : ٥٣ ـ ٥٤.
(٣) جمع مقام : مقاماتهم في خطاب الوعظ.
(٤) نهج البلاغة ، الخطبة : ٢٢٢.
(٥) العيون ٢ : ٢٠٠ / ٢ ؛ (باب ٤٦ ، ما جاء عن الرضا عليهالسلام في وجه دلائل الأئمّة) ؛ البحار ٢٥ : ٤٨ / ٧.