اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما ضيّع ممّا عنده من العلم.
وقال في تأويل قوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ :)
هذا خبر من الله ـ جلّ ثناؤه ـ عن الّذين أشركوا ، الّذين أخبر أنّ اليهود أحرص منهم على الحياة ، يقول ـ جلّ ثناؤه ـ : يودّ أحد هؤلاء الّذين أشركوا ـ الّذين لا يعتقدون بعد فناء دنياه وانقضاء أيّام حياته أن يكون له بعد ذلك نشور أو محيا أو فرح أو سرور ـ : لو يعمّر ألف سنة ؛ حتّى جعل بعضهم تحيّة بعض عشرة آلاف عام حرصا منهم على الحياة. كما :
[٢ / ٢٧٥٩] روي عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس في قوله : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) قال : هو قول الأعاجم : سال زه نوروز مهرجان حر.
[٢ / ٢٧٦٠] وأيضا عنه ، عن سعيد ، عن ابن عبّاس في قوله : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) قال : هو قول أحدهم إذا عطس زه هزار سال ، يقول : عشرة آلاف سنة.
[٢ / ٢٧٦١] وعن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير في قوله : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) قال : هو قول أهل الشرك بعضهم لبعض إذا عطس : زه هزار سال.
[٢ / ٢٧٦٢] وعن ابن أبي نجيح عن قتادة في قوله : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) قال : حبّبت إليهم الخطيئة طول العمر.
[٢ / ٢٧٦٣] وعن ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) حتّى بلغ : (لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) يهود أحرص من هؤلاء على الحياة ، وقد ودّ هؤلاء لو يعمّر أحدهم ألف سنة.
قوله : (بِمُزَحْزِحِهِ) أى بمبعده ومنحّيه ، كما قال الحطيئة :
وقالوا تزحزح ما بنا فضل حاجة |
|
إليك وما منّا لوهيك راقع |
يعني بقوله تزحزح : تباعد ، يقال منه : زحزحه يزحزحه زحزحة وزحزاحا ، وهو عنك متزحزح : أي متباعد.
فمعنى الآية : وما طول العمر بمبعده من عذاب الله ولا منحّيه منه ؛ لأنّه لا بدّ للعمر من الفناء ومصيره إلى الله. كما :
[٢ / ٢٧٦٤] روي عن سعيد بن جبير ، أو عن عكرمة ، عن ابن عبّاس في قوله : (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ