كان عدوّا لجبريل ، فإنّه معاد لله ومعارض لرسالة الله في الأرض. (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) حيث كان العداء مع رسل الله عداء مع الله وهو في حدّ الكفر بالله والله عدوّ للكافرين.
ثمّ يتّجه الخطاب إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يثبّته على موضع رسالته ، وأن سوف يظهره على الدين كلّه. ويريه الناس كيف يدخلون في دين الله أفواجا وأن لا موضع للمعارض سوى الشذوذ والإنفراد عن ركب جماعة الناس. (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ). وما هذا الشذوذ والانحراف عن جادّة الحقّ ، سوى امتداد لمنهجهم الملتوي في سائر عهودهم والمواثيق. (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).
فقد أخلفوا ميثاقهم مع الله في سفح الجبل ، ونبذوا عهودهم مع أنبيائهم من بعد. وأخيرا نبذ فريق منهم عهدهم الذي أبرموه مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أوّل مقدمه إلى المدينة ، وهو العهد الّذي وادعهم فيه بشروط معيّنة (١) ، بينما كانوا هم أوّل من أعان عليه أعداءه ، وأوّل من عاب دينه ، وحاول بثّ الفرقة والفتنة في صفوف المسلمين ، مخالفين ما عاهدوا المسلمين عليه.
(وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
وكان هذا من أبرز مظاهر النقض فقد كان عليهم أن يؤمنوا بكلّ رسول يعرفونه رسولا من عند الله وينصروه ويؤازروه ولكنّهم على العكس نابذوا رسول الإسلام وعادوه ، في حين أنّهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.
نعم جاءهم كتاب يتوافق مع أسس الشرائع السالفة ـ دليلا على صدقه ـ لكنّهم رغم عرفانهم له نبذوه وراء ظهورهم ، على غرار جهلة المشركين.
وفي هذا التعبير نكاية بهم وسخريّة خفيّة بموضعهم الشنيء ، إنّهم حسب زعمهم أهل كتاب وعرفان ولكنّهم بصنيعهم هذه البشعة ساووا جيرانهم المشركين الّذين هم أمّيّون لا علم لهم ولا كتاب.
__________________
(١) وسيوافيك نصّ المعاهدة ، نقلا من السيرة لابن هشام ٢ : ١٤٧ ـ ١٥٠.